الفصل الثالث في اعتبار العلوّ و الاستعلاء في الأمر
هل يعتبر في صدق الأمر على ما ذكر علوّ الآمر، أو أنّ المعتبر فيه الاستعلاء، و إن لم يكن عالياً، أو أنّ المعتبر كلاهما، أو أحدهما الغير المعيّن، أو لا يعتبر شيء منها في صدقه؟
وجوه: أقربها الأوّل، فلا يعتبر الاستعلاء فيه للتبادر و ارتكاز ذلك في الأذهان العرفية. و ليعلم أنّ العلوّ و ما يقابله من الامور الاعتبارية التي تختلف باختلاف الاعتبار بلحاظ اختلاف الأعصار و الأمصار فإنّ حاكم البلد عالٍ عرفاً ما دام فيها باقياً على رئاسته و حكومته، فلو فرض أنّه خرج عنه، و وقع بيد السرّاق و قطّاع الطريق، الذين هم فوقه في القوّة و الشجاعة، أو خُلع عن منصبه و رئاسته، لم يعتبره العرف- حينئذٍ- عالياً.
و بالجملة: الملاك في صدق الأمر صدوره من العالي، فلا يصدق الأمر على الصادر من المساوي أو الداني و إن استعلى، فلا دخل للاستعلاء في صدقه أصلًا.
ثمّ إنّه لا شبهة في أنّ كيفيّة اعتبار العلوّ إنّما هو بنحو تقييد الماهيّة، و أنّ الواضع لاحظ الجامع بين الهيئات بما له من المعنى مقيّداً بصدوره من العالي، و وضع المادّة بإزائه، فالموضوع للأمر هو الطبيعة المقيّدة في ظرف تقرّرها الماهوي.
و يتراءى من كلام بعض الأعاظم: أنّ الموضوع له لمادّة الأمر هو الحصّة الملازمة، فإن أراد ما ذكرناه، فنعم الوفاق، لكن لا يلائمه التعبير بالحصّة الملازمة، و إن أراد أنّ الموضوع له هو طبيعة الجامع بلا قيد، و مع ذلك لا يصدق على الصادر من