فذهب في «الكفاية» إلى الامتناع، و حاصل ما أفاده في الاستدلال على ذلك بتوضيح منّا: هو أنّ حقيقة الاستعمال ليست عبارة عن مجرّد جعل اللّفظ علامةً للمعنى، و إلّا لم يكن ريب في الجواز؛ لوضوح جواز جعل شيء واحد علامةً لأمرين، بل هي عبارة عن جعله عنواناً و وجهاً للمعنى، بل بوجه نفسه كأنّه الملقى إليه، و لذا يسري قبحه و حسنه إليه كما لا يخفى، و لا يكاد يمكن جعل اللّفظ كذلك إلّا لمعنىً واحد.
و الحاصل: أنّ استعمال اللّفظ المشترك في أكثر من معنىً يؤدّي إلى اجتماع الضدّين، الذي هو من الممتنعات البديهيّة، بل مرجع كلّ محالٍ إليه، كما ثبت في محلّه، و ذلك لأنّ استعماله في المعنيين يستلزم لحاظهما، و يلزم من لحاظ كلٍّ منهما لحاظ اللّفظ تبعاً، فيلزم اجتماع اللحاظين في اللّفظ، فإذا كان اللحاظ متعدّداً فالملحوظ أيضاً كذلك؛ لعدم الفرق بين اللحاظ و الملحوظ إلّا بالاعتبار، كالفرق بين العلم و المعلوم، فيلزم أن يكون اللّفظ الواحد الملحوظ لفظين ذهنيّين، و هو محال [1].
و قد يقرّر ذلك ببيانٍ آخر: و هو أنّ الاستعمال عبارة عن جعل اللّفظ آلةً للمعنى، و جعله كذلك يتوقّف على لحاظه، فاستعماله في المعنيين باستعمال واحد مستلزم للحاظه مرّتين، فيلزم أن يكون متعدّداً و واحداً؛ لما مرّ [2].
أقول: ما ذكره من تبعيّة لحاظ اللّفظ للحاظ المعنى إن أراد به أنّ اللحاظ يتعلّق أوّلًا و بالذات بالمعنى، و ثانياً و بالعرض باللّفظ، نظير تبعيّة حركة جالس السفينة لحركة السفينة، فمن الواضح أنّه ليس كذلك.
و إن أراد بها أنّ الملحوظ أوّلًا هو المعنى، ثمّ ينتقل منه إلى لحاظ اللّفظ، فيلزم