و طبيعيّها، مع عدم تبيّن تلك الطبيعة للواضع مفصَّلًا جنساً و فصلًا، بل كانوا ينتقلون من الفرد إلى الكلّي و جامعة الارتكازي من دون افتقار إلى معرفة كنهه و حقيقته، فإنّه لا يتيسّر ذلك إلّا للخواصّ من الحكماء، و حينئذٍ فمن الممكن أنّ الواضع لمّا رأى فرداً من الصلاة يصلّيها مسلم التفت إلى أنّ لها صورة نوعيّة إجمالًا و طبيعة جامعة لشتات أفرادها المختلفة كمّاً و كيفاً، فوضع لفظ الصلاة لتلك الصورة النوعيّة المعلومة إجمالًا لا تفصيلًا جنساً و فصلًا، و لا يضرّ في ذلك اختلاف أفرادها كمّاً و كيفاً، كما لا يضرّ ذلك في مثل الطيّارة و السيّارة و البطّيخ و نحوها، فللمستدلّ أن يدّعي تبادر هذا المعنى الإجمالي الارتكازي في أذهان العرف و العقلاء و صحّة السلب عن الفاقدة لبعض الأجزاء، و لا يتوجّه عليه الإشكالات المتقدّمة.
لكن هذا مجرّد تصوّر، و أنّه ممكن، و ليس بممتنع، لكن الواقع خلافه؛ إذ لا شبهة في أنّ المتبادر من لفظ الصلاة هو الأعمّ؛ أي الطبيعة لا بشرط الصحّة و الفساد، كما أنّ المُتبادر من لفظ البطّيخ و نحوه أيضاً ذلك.
في أدلّة الأعمّي
و استدلّ للأعمّي أيضاً بوجوه:
الأوّل: التبادر [1]: و هو حقّ لا غبار عليه، كما أشرنا إليه.
الثاني: استحالة وضعها للصحيح فيما لو نذر ترك الصلاة في مكان مكروه [2] و بيان هذا الاستدلال يحتاج إلى تقديم مقدّمة، و هي:
أنّه لمّا كان الغرض من الأوامر و النواهي هو البعث إلى الإتيان بالمأمور به، و الزجر عن فعل المنهي عنه، فلا بدّ أن يكون متعلّق الأمر و النهي مقدوراً للمكلّف؛