و هذه استعارة من وجهين: أحدهما وصف اليوم بالإحاطة، و ليس بجسم فيصح وصفه بذلك. و الوجه الآخر: أن لفظ محيط هاهنا كان يجب أن يكون من نعت العذاب، فيكون منصوبا. فجعله-سبحانه-من نعت اليوم فجاء مجرورا، فأما وصف اليوم بالإحاطة-و إن لم يتأتّ فيه ذلك-فالمراد به-و اللّه أعلم-أنّ العذاب لما كان يعمّ المستحقّين له فى يوم القيامة حسن وصف ذلك اليوم بأنه محيط بهم أي أنه كالسياج المضروب بينهم و بين الخلاص من العذاب و الإفلات من العقاب. و أما نقل نعت العذاب إلى نعت اليوم، فالوجه فيه أن العذاب لما كان واقعا فى ذلك اليوم كان ذلك اليوم كالمحيط به، لأنه ظرف لحلوله، و وقت لنزوله.
و قوله سبحانه: بَقِيَّتُ اَللََّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [86]و هذه استعارة. لأن حقيقة البقية تركة [2] شىء من شىء قد مضى، و لا يجوز إطلاقه على اللّه سبحانه. فإذن يجب أن يكون المراد غير هذه الحقيقة. و قد قيل فى معنى ذلك وجوه: أحدها بقية اللّه من نعمته خير لكم. و قد قيل: بقية اللّه طاعة اللّه، و ذلك لأنها تبقى رضاه و ثوابه أبدا ما بقيت. و قيل بقية اللّه أي عفو اللّه عنكم و رحمته بكم [3] بعد استحقاقكم العذاب، كما يقول العرب المتحاربون بعضهم لبعض، إذا استحرّ فيهم القتل، و أعضلهم الخطب: البقية! البقيّة!أي نسألكم البقية علينا و المكافأة لنا. و البقية هاهنا و الإبقاء بمعنى واحد.
[1] فى الأصل «إنى أخاف عليكم» بدون واو و هى ناقصة من الناسخ.