ثم انه قد اختلف الكلام بينهم في وجه تمايز العلوم و أنه هل يكون باختلاف الموضوعات او الاعراض او انه امر اعتبارى.
فالمشهور الى الاول و قد عدل عنه بعض المتاخرين و ذهب الى ان تمايز العلوم بتمايز الاعراض التى دونت العلوم لاجلها مثل ان الغرض من علم النحو صيانة اللبسان و الغرض من علم المنطق صيانة الفكر عن الخطاء و ان العلم الاصول غرضه استنباط الاحكام و الغرض من الفقه هو العلم بالاحكام الفرعية، و الذى يدعوهم الى ذلك هو ان العلم عبارة عن عدة مسائل يبحث عنها مؤلفها لغرض واحد كلى عارض على مجموعها و ان كان لكل مسئلة نتيجة جزئية مترتبة عليها، فالاصول يبحث عن مقتضيات الامر و النهى و الوجوب و الاستحباب و غير ذلك من المسائل حتى يصل الى طريق الاستنباط للاحكام و هذا هو الغرض الاقصى له في هذه المسائل المتشتتة، و هكذا في ساير العلوم فاختلاف الاغراض يدعوا الى اختلاف العلوم و موجب للتمايز فيها.
و اما السر في العدول عن مقالة المشهور هوان المسائل كانت من العوارض الذاتية للموضوع بناء على ما عرفت من كون عوارض النوع عوارض ذاتية للجنس لمكان الاتحاد و ان كان عروضها مع الواسطة في الثبوت، و عليه فقد يتداخل العلوم بعضها ببعض باعتبار تداخل الموضوعات مثل الكلمة على ما عرفت فلا يمكن التمايز بينهما بحسب الموضوع.
و تقييد الموضوع بالحيثيات كما عن شيخنا الاستاذ بتقريب ان الشيء من حيث هو لا يقع موضوعا لشيء فالكلمة لا تكون موضوعة لعلم النحو لا بشرط بل من حيث قابليتها للحوق الاعراب كما انها بشرط قابليتها للتصريف تكون موضوعة لعلم التصريف، فهو غير سديد.