المشكوك لم يكن قد جُعل في تلك الفترة يقيناً، لأنّ تشريع الأحكام كان تدريجيّاً فيستصحب عدم جعل ذلك التكليف [1].
الثاني: أن يلتفت المكلّف إلى حالة ما قبل تكليفه، كحالة صغره مثلًا، فيقول: إنّ هذا التكليف لم يكن ثابتاً عليّ في تلك الفترة يقيناً، و يشكّ في ثبوته بعد البلوغ فيستصحب عدمه [2].
و قد اعترض المحقّق النائينيّ (قدس سره) على إجراء الاستصحاب بأحد هذين اللحاظين: بأنّ استصحاب عدم حدوث ما يشكّ في حدوثه إنّما يجري إذا كان الأثر المطلوب إثباته بالاستصحاب منوطاً بعدم الحدوث، فنتوصّل إليه تعبّداً بالاستصحاب. و مثاله: أن نشكّ في حدوث النجاسة في الماء، و الأثر المطلوب تصحيح الوضوء به، و هو منوط بعدم حدوث النجاسة، فنجري استصحاب عدم حدوث النجاسة و نثبت بالتعبّد الاستصحابيّ أنّ الوضوء به صحيح. و أمّا إذا كان الأثر المطلوب إثباته بالاستصحاب يكفي في تحقّقه واقعاً مجرّد عدم العلم بحدوث ذلك الشيء فيكون ذلك الأثر محقّقاً وجداناً في حالة الشكّ في الحدوث، و لا نحتاج حينئذ إلى إجراء استصحاب عدم الحدوث. و مثال ذلك: محلّ الكلام، لأنّ الأثر المطلوب هنا هو التأمين و نفي استحقاق العقاب، و هذا الأثر مترتّب على مجرّد عدم البيان و عدم العلم بحدوث التكليف وفقاً لقاعدة قبح العقاب بلا بيان فهو حاصل وجداناً، و أيّ معنىً حينئذ لمحاولة تحصيله تعبّداً بالاستصحاب؟ و هل هو إلّا نحو من تحصيل الحاصل. [3]
[1] و بهذا اللحاظ يكون المستصحب عبارة عن عدم ثبوت الجعل.
[2] و بهذا اللحاظ يكون المستصحب عبارة عن عدم فعليّة المجعول.
[3] و قد ينقض على ذلك بأنّه لو كان إثبات البراءة الشرعيّة بدليل الاستصحاب مع وجود البراءة العقليّة تحصيلًا للحاصل أو لغواً، فإثباتها بالأدلة الأخرى غير دليل الاستصحاب أيضاً كذلك. و هذا يعني إسقاط البراءة الشرعيّة بجميع أدلّتها لا بدليل الاستصحاب فحسب.