و إنْ اريد من ذلك أن هنا جعلين و مجعولين، أحدهما جعل اللّازم و الآخر جعل الملزوم، و هو الذي صرّح به في (الاصول على النهج الحديث) [1] بأنْ يكون لازم الوضع، هو استعمال اللّفظ في المعنى بنحوٍ يكون اللّفظ حاكياً عن المعنى بنفسه- لا بالقرينة- و بجعل هذا اللّازم يتم جعل الملزوم و هو الوضع، فكان اللّحاظ الآلي في مرحلة جعل اللّازم، و اللّحاظ الاستقلالي في مرحلة جعل الملزوم، فلم يجتمع اللّحاظان.
ففيه: إن هذا خروج عن البحث، لأن المفروض فيه اتحاد الوضع و الاستعمال، و هذا غير متحققٍ فيما ذكر. هذا أوّلًا. و ثانياً: إن نسبة الملزوم إلى اللازم نسبة العلّة إلى المعلول، فكيف يتصوّر استتباع جعل اللّازم- مع الاحتفاظ على كونه لازماً- جعل الملزوم؟ إنّ فرض كونه لازماً هو فرض التأخّر له، و فرض استتباعه جعل الملزوم هو فرض التقدّم له، فيلزم اجتماع التقدّم و التأخّر في الشيء الواحد.
جواب المحقق العراقي
و أجاب المحقق العراقي باختلاف متعلَّق اللّحاظين، فقال ما حاصله- كما في آخر بحث الوضع من (المقالات) تحت عنوان «تتميم» [2]- بأنّه في مرحلة الاستعمال يكون الفاني في المعنى هو شخص اللّفظ، فالملحوظ باللّحاظ الآلي هو شخص اللّفظ، لكن الملحوظ في مرتبة الوضع هو طبيعة اللّفظ، لأن الواضع يضع طبيعيّ اللّفظ لطبيعيّ المعنى لا لشخصه، فما أشكل به المحقق النائيني خلط بين المرتبتين.