و يقتضينا الواجب العلمي و الإنصاف أن نذكر المستشرق سانتيلانا 1 الّذي وضع الكثير من قواعد فقه المذهب المالكي في: (مجلّة الالتزامات و العقود التونسيّة) الّتي صدرت سنة 1906 م في عهد الاحتلال الفرنسي الذي بدأ منذ سنة 1883 م.
و لكن الواقع أنّ القوانين الّتي صدرت حديثا في بعض البلاد الإسلاميّة -و مهما نقلت أو اقتبست عن الشريعة الإسلامية-لا تزال تحتفظ بأصولها الأجنبية، و لا يزال الكثير و المهمّ منها يتناقض مع الأحكام القرآنيّة القطعيّة و القواعد العامّة للشريعة الإسلامية، و لا سيّما في ميدان القوانين الجنائيّة.
يستثنى من كلّ ذلك مسار تقنين الشريعة الإسلاميّة الّذي بدأ عصره الذهبي عند قيام الدولة الإسلاميّة في إيران، حيث وضعت الأسس و الركائز الأساسيّة لتبني الشريعة الإسلاميّة في أحكامها و تشريعاتها للحياة العامّة للفرد و المجتمع.
[1] سانتيلانا دافيد، مستشرق إيطالي يعدّ من خيرة الباحثين في الفقه المالكي. ولد في تونس سنة 1855 م من أسرة يهوديّة ذات أصل إسباني قديم، لجأت إلى تونس و استقرّت بها، لكنّها كانت تحمل الجنسيّة الإنجليزية، و كان أبوه قنصلا لبريطانيا في تونس. و قد ظهر نبوغه مبكرا بدليل أنّه عيّن-و هو في سن السادسة عشرة من عمره-سكرتيرا للجنة الدوليّة لشؤون تونس المالية.
حصل على شهادة الحقوق من جامعة روما، و كذلك حصل على الجنسيّة الإيطاليّة سنة 1883 م، و من ثمّ أصبح عضوا في اللجنة المكلّفة بتقنين القوانين التونسية، فوضع القانون المدني و التجاري التونسي، و في سنة 1910 م دعته الجامعة المصريّة ليقوم بإلقاء المحاضرات في تاريخ الفلسفة و التشريع الإسلامي. قام بترجمة و شرح مختصر خليل في الفقه المالكي إلى الفرنسية.
من أهم كتبه كتاب نظم الشريعة الإسلاميّة بحسب مذهب مالك. توفّي سنة 1931 م. (طبقات المستشرقين 145-147) .