و الدليل على انّه لا يمكن أن يكون الواضع هو البشر عدم إمكان احاطته بتمام ألفاظ لغة واحدة فضلا عن جميع اللغات، و لو فرضنا تمكّنه من ذلك كان ذلك من أكبر خدمات البشر، فلا بدّ من تصدّي التواريخ لضبطه و لوصل إلينا ذلك، و الحال أنّه منتف فيعلم منه انتفاء ذلك.
و اورد عليه بضعف المستند أعني الدليلين، لأنّ أمر الوضع كما نشاهده اليوم في المصنوعات الجديدة لا يلزم أن يكون دفعيا بل يكفي فيه التدريجية شيئا فشيئا، حسب مسيس الحاجة إليه، و عليه فيسقط كلا الدليلين، أي استحالة إحاطة فرد من البشر، و كونه من أهمّ الوقائع التاريخية المقتضي لتصدّي التواريخ لنقله. فلنا أن نلتزم بأنّ الواضع هو أفراد البشر.
و أمّا المناسبة الذاتية فأيضا أمر غير معلوم لا دليل عليه سوى الادّعاء، و كذا التزامه تعالى بمراعاة ذلك، مع أنّ الوضع و لو بدون المناسبة ينتج نتيجته المطلوب.
اللّهمّ إلّا أن يتوصّل بذيل استحالة الترجيح بدون المرجّح. و فيه ما تقدّم.
و كذا ما أفاده أخيرا من أنّه أمر إلهامي، إلّا أن يراد منه عناية اللّه على البشر في كلّ أفعاله الاختيارية بالعقل السليم و الفطرة الصافية، و منها الحكاية عن المعاني بالألفاظ الموضوعة لها. و الظاهر أنّ معنى قوله تعالى: خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ هذا.
القول بأنّ الوضع أمر واقعي يحدث بالجعل و الاعتبار:
قيل بأنّ حقيقة الوضع أمر واقعيّ، لكنّها تحدث بالجعل و الاعتبار، فهي عبارة عن الملازمة الواقعية بين اللّفظ و المعنى، و سبب حدوثها هو وضع الواضع الذى هو من سنخ الجعل و الاعتبار.