من اللّفظ غير متقوّم بالقرينة، فقد يجتمع معها و تكون مؤيّدة لفهمه، و قد ينتفي و لا توجد. بخلاف المعنى المجازي، فإن صحّة إرادته متقوّم بإقامة القرينة.
و أوضحه بأنّ من جاء الى بلد لا يعرف لغاتهم إذا تصدّى لتعلّم اللغة الرائجة في ذلك البلد، يرى أنّ أهل البلد يطلقون لفظا و يريدون به معنى، لكنّه لا يعلم أنّ ذلك الإطلاق هل هو حقيقي أو مجازي.
فيفحص موارد الإطلاق و يتابعها، و ينظر إلى أنّ ما احتمل قرينيته و دخالته في فهم المعنى هل هو موجود دائما أم لا؟ فمن ملاحظة الموارد و مشاهدة فهم المعنى مع انتفاء ما يحتمل قرينيّته يفهم عدم اتّكاء الدلالة على القرينة. بخلاف المعنى المجازي فإنّه متقوّم بالقرينة، و يرى انتفاء الدلالة مع انتفائها. فلاحظ دلالة لفظ الماء على الحقيقة المخصوصة، و إطلاقه على سائر المواد السيّالة غير تلك الحقيقة.
فإنّ الثاني قد يوجد متّكيا على القرينة بخلاف الأوّل فإنّه دائمي و غير محتاج إلى معونة القرينة.
تفسير آخر للاطّراد
و لنا في تفسير الاطّراد وجه آخر يمكن أن يفسّر به و هو أنّ الإطلاقات الحقيقيّة لا تتقوّم بشيء سوى انحفاظ ذات المعنى؛ كإطلاق لفظ الأسد على الحيوان المفترس و هذا بخلاف حسن الإطلاقات المجازية فإنّه ليس بأمر دائمي أو غالبي، بل تابع لاقتضاء المقام، كما نرى ذلك في إطلاق الأسد على رجل شجاع، كزيد الشجاع فالتعبير عنه بلفظ زيد أو بلفظ رجل أمر اعتيادي. و أمّا التعبير عنه بلفظ الأسد فيحتاج إلى اقتضاء المقام للمبالغة في بيان الشجاعة، و ليس ذلك بأمر دائمي أو غالبي. فهو غير مطّرد بحسب الحالات و مواقع الاستعمال.