فإنّه يقال: إنّ هذا الإشكال له وجه لو لم يكن في أدلّة البراءة ما يدلّ عليها بعد عملية الفحص عن البيان نحو الآية الشريفة وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا[1] بتقريب تقدم.
و له وجاهة لو كان إجراء البراءة بواسطة الفقيه قبل الفحص عن الأحكام، حيث إنّ في هذه الصورة، الاحتمال في أطراف العلم الإجماليّ بثبوت تكاليف واقعيّة يكون منجّزا و مانعا عن تأثير دليل البراءة للتعارض، لكن محطّ النظر في محلّ البحث هو إجراء البراءة بنظر الفقيه بعد الفحص [2] بتتبّع الآيات و الأخبار و الشهرات و الإجماعات و الاصول المثبتة للأحكام التكليفية و الوضعية، و بعد ملاحظتها يحصل و يتجمّع عند الفقيه المستنبط كمّية كبيرة من الأحكام تفصيلا على نحو القطع- افرض- لا تقلّ عددا عن العدد المعلوم إجمالا أولا، فهذه المعلومة تفصيلا كانت منجّزة قبل قيام الأدلة و الأمارات على ثبوتها لا يمكن أن تصبح منجّزة بالعلم الإجماليّ المذكور؛ لعدم قبول مورد واحد لحكمين متماثلين، فتخرج عن كونها مجرى لأصالة البراءة، و حينئذ تبقى الموارد الاخرى المجهولة مشكوكة بدويّة تحت عمل أصالة البراءة بلا معارض.