الشهيرين الخورنق و السدير، و يقال له: "فارس حليمة". طال عمره، و زهد عند اكتهاله، و استعاض عن رداء الملك بقباء النسك، و انصرف سائحا في البلاد، فانقطع خبره، بعد أن حكم نحوا من ثلاثين سنة. [1]
أخرج الطبري، عن هشام، قال: كان النعمان بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس قد غزا الشام مرارا و أكثر المصائب في أهلها و سبى و غنم، و كان من أشدّ الملوك نكاية في عدوّه و أبعدهم مغارا فيهم، و كان ملك فارس جعل معه كتيبتين يقال لإحداهما دوسر و هي لتنوخ و للأخرى الشهباء و هي لفارس، و هما اللتان يقال لهما القبيلتان، فكان يغزو بهما بلاد الشام و من لم يدن له من العرب.
قال: فذكر لنا و اللّه أعلم أنّه جلس يوما في مجلسه من الخورنق فأشرف منه على النجف و ما يليه من البساتين و النخل و الجنان و الأنهار ممّا يلي المغرب و على الفرات ممّا يلي المشرق و هو على متن النجف في يوم من أيام الربيع فأعجبه ما رأى من الخضرة و النور و الأنهار، فقال لوزيره و صاحبه: هل رأيت مثل هذا المنظر قط؟. فقال:
لا، لو كان يدوم. قال: فما الذي يدوم؟. قال: ما عند اللّه في الآخرة. قال: فبما ينال ذاك قال بتركك الدنيا و عبادة اللّه و التماس ما عنده. فترك ملكه من ليلته و لبس المسوح و خرج مستخفيا هاربا لا يعلم به. و أصبح الناس لا يعلمون بحاله، فحضروا بابه فلم يؤذن لهم عليه كما كان يفعل فلمّا أبطأ الإذن عليهم سألوا عنه فلم يجدوه. [2]