خرجنا من باب المشهد الكبير ثمّ سرنا مع سور المدينة متّجهين إلى الغرب، ثمّ انحرفنا إلى الجنوب الغربي، و بعد مسافة ربع ساعة عارضنا في طريقنا تلّ ممتدّ يسمّونه جبلا و هذا التّل هو الذي فيه عريسات، ثمّ اخترقناه و ملنا معه إلى الشمال الغربي، و بعد مسافة 45 دقيقة رأينا عن يمين الطريق على حافته آثار أنقاض تسمّى "قصر الفتحة"و هو في جنوب فرجة من تل عريسات، لأنّ التل هناك ينحني شيئا قليلا و ذاك الإنحناء يسمّونه"فتحة"، و بعد مسافة ساعة يلوح لك عن يسار الطريق على بعد ساعة منه"قصر الرّهيمة"و بعد مسافة 7 دقائق مررنا بأثر أنقاض عن يسار الطريق يسمّى "قصر الدكاكين"و هو ربوة يبلغ ارتفاعها عن الأرض نحو 3 أمتار و محيطها زهاء 200 مترا.
و الدكاكين عبارة عن مساطب متوالية تتفرع إلى دهاليز و أظنّها مقابر قديمة، و إنّما سمّيت بهذا الاسم لأنّ العرب رأوا وضعها كبعض الدكاكين التي عندهم اليوم فظنوها كذلك فأطلقوا عليها هذا الاسم، و قد رأينا في ركن جانب منها كتابة حميريّة مكتوبة بالحبر الأسود. [1] و فيها يقول إسماعيل بن عمار الأسدي:
ما أنس سعدة و الزرقاء يومهما # باللج شرقيه فوق الدكاكين [2]
و اللج: هو دير اللج بناه النعمان بن المنذر أبو قابوس في أيام مملكته بالحيرة، و قد تقدّم.
و كان قصر الدكاكين قبل خمسين سنة عامرا، إلاّ أنّ بعض أهالي مدينة النجف نقضوا بناءه و نقلوا طاباقه إلى البلدة و بنوا به دورهم، و كان طاباقه من الطاباق المعروف اليوم عند العراقيين بالسلطاني، و هو مربّع الشكل طول ضلعه نحو 20 سنتمترا.