ما جعل في أسفله قطع خزفية إذا مرّت القناة بأرض رمليّة رخوة. و كان طول الخزف المسمّى عندهم بـ"الكوي"قدر شبر يدخل بعضه في الآخر، و على حدّ تعبيرهم"ذكر و انثى"، و سمك اللبنة-المطبوخة و المطليّة بماء الخزف القاشي-أربعة أصابع مضمومة. أمّا شكل القناة فكان كالمثلث المقطوع الزاوية. أسفله بمقدار وضع قدمي إنسان بسعة، و أعلاه بعرض كتفي إنسان بسعة أيضا، بحيث يستطيع أن يمشي فيه الرجل محدودبا، و في البعض يمشي حبوا. و علوّ القناة من الأسفل إلى الأعلى-و هو معدّل مجرى الماء و الهواء على الغالب-ذراع شاهي. و على رأس كلّ قناة فوهة عليها غطاء كغطاء التّنور يرفع و يوضع لينظر إلى مجرى الماء و ما وقع فيه من شيء لو احتاج إلى تنظيف، فإنّه قد يسدّ طريق الماء بعض الحيوانات الدارجة و الزاحفة، و ما يصيب جدران الطريق و مجراه من هدم، فيصلح الخزف المعبّد به النهر و جوانبه.
و ربّما تركوا الأرض الرخوة فداروا بالنهر في أسفل الآبار يمنة و يسرة إلى أن يقع على الخط المستقيم و المجرى المتعارف، و ربّما صنعوا دوّارتين للماء يمنة و يسرة فيجري الماء من ثلاثة طرق ثالثها العمود الأوسط، و ذلك ممّا يقرب من منبع الماء و بئر الفرسخين. كما جعلوا على ظهر الخزف طينا، و فوق الطين رمل، و فوق الرمل قطع ممّا نحتوه من طبقة السّن ليكون ذلك كلّه جنّة للخزف ممّا يقع على ظهره.
و طريق الهواء مختلف الارتفاع كما أشرنا إليه حسب قوّة الأرض و رخاوتها، فإن كانت قويّة نحت مقدار جلسة إنسان فما فوقها إلى قامة إنسان.
و في الصحراء الشمالية الشرقية للنجف و على جنبتي مجرى الماء وضع مقدار أربعة آلاف قطعة من هذا الخزف في أنبار لوقت الحاجة إليه، و بقي في موضعه إلى يومنا هذا، إلاّ أنّ هبوب رياح الشمال و نسف الرمال عليه غطّاه و ضيّعه. و كذا الطابوق المربّع كبير الحجم لم يزل مخزونا في مخازن عديدة، و كان قد خزن لتعمير طرق المياه في القنوات، و قد عثر على بعضه و الكثير لم يعثر عليه و بقي تحت الرمال في الصحراء.