و كان أهل النجف يفتحون من آبار بيوتهم النوافذ للسراديب و المجاري الهوائية من بئر لآخرى تحت طبقة السن بين طبقات الرمال، كما ينحتون في طبقة الطين و في قعرها مجاري لاتصال الماء من بئر لأخرى. و يختلف عمق الآبار باختلاف المواقع المرتفعة و المنخفضة و يتفاوت عمقها بين 50 إلى 70 ذراعا، و يستخرج منها الماء بالدلاء و الأرشية للشرب و غيره.
و قد أدركنا ماء الآبار و شربنا منه مرارا و تكرارا في دور المراهقة خصوصا حال خروجه من البئر باردا في أيام الصيف. كلّ هذا مع عدم تحصيلنا ماء الفرات العذب المباع الذي ينقله السقّاؤن بقربهم التي تحملها الأحمرة من بركة نهر السنيّة في جرف بحر النجف أو من فرات الكوفة.
عزيزي القارئ الكريم: فإذا كانت مدينة النجف بهذه الصفة مع ساكنيها في العصر المتأخّر، فما حال أهلها المجاورين في القرون السابقة ممّا قاسوه من العطش الشديد و شرب مياه الآبار المالحة من جانب، و تعسّف السلطات الحاكمة المتعاقبة على حكم العراق من جانب آخر. كلّ ذلك يهوّن الخطب على ساكني النجف الأشرف لمجاورة مرقد بطل الإسلام المسلم الأوّل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، و لما يرجوه المجاور من الثواب الجزيل و الشفاعة المحمودة.