نام کتاب : تاريخ الغيبة نویسنده : الصدر، السيد محمد جلد : 3 صفحه : 152
مقدرا في التخطيط الإلهي استئصاله عن الوجود، لإمكان مشاركته في التمحيص العام الذي حملنا عنه فكرة كافية. و لذا كان لا بد من الاقتصار على كبح جماحه و كسر شوكته فقط، ببناء السد ضده، على وجه الأرض أو في نفوس المؤمنين.
و من هنا بقي هذا الاتجاه في التاريخ، لكي يتمحض بعد حوالي ثلاثة آلاف عام عن السيطرة الجديدة للمادية على البشر للمرة الثانية، و لكنها في هذه المرة ليست بدائية، و لكنها مادية (تقدمية) و معقدة و مفلسفة و ذات شعارات براقة. و ذات قوة و منعة بحيث يصعب مجرد التفكير في منازلتها فضلا عن القضاء عليها. و هو معنى قوله في أحد الأخبار السابقة: لا يدان لأحد في قتالهم.
لقد خرقت السد القديم، و لم يعد كافيا للسيطرة عليهم و كبح جماحهم. ان ذلك السد كان مناسبا مع مستوى عصره العقلي و الثقافي و العسكري، و لم يعد الآن كافيا «حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ، وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ»[1] أي من كل جهة ينتشرون.
كذلك انتشرت المادية الحديثة.
و تسيطر الحضارة المادية على خيرات البلاد الإسلامية، في ضمن سيطرتها على العالم كله. و تستولي مصادرها الطبيعية، فتشرب البحيرات، و الأنهار- كما أشارت الأخبار- بمعنى أنها تستغلها تماما لصالحها، و تمنع أهلها من الاستفادة منها. فيحصل الفقر و القحط في البلاد المحكومة المستعمرة «حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم».
و تأتي الأجيال المتأخرة من اتباع الحضارة المادية، فيقولون «لقد كان بهذا المكان ماء». فإنهم عرفوا من التاريخ أن هذه المنطقة كانت تغل لأهلها و تفيدهم. و اما الآن- و بعد سيطرة الحضارة الكافرة- فقد أصبحت الغلات لها. و أصبح وجود الماء كالعدم بالنسبة إلى أهل البلاد.
و أما المسلمون المخلصون، فينحازون عنهم و يبتعدون عن ممالأتهم و السير في طريقهم، خوفا على إيمانهم من الانهيار، و على سلوكهم من التفسخ و الانحلال.
و حين يتم للحضارة المادية الملحدة، بسط السيطرة على الأرض، تتجه أطماعها إلى السماء، و من هنا نجدهم «يقولون: هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم، و لننازلن أهل