نام کتاب : تاريخ الغيبة نویسنده : الصدر، السيد محمد جلد : 2 صفحه : 466
و هذا هو المصداق الحقيقي القطعي لقول النبي (ص)- في الحديث الشريف-: «فيغضب رجل من المسلمين، فيقوم إليه فيدقه». يعني يقوم إلى الصليب فيدقه. و هذا الرجل هو صلاح الدين الأيوبي نفسه، و غضبه المشار إليه في الحديث إنما هو لأجل احتلال الصليبيين بلاد الاسلام، و بغاية تنظيفها منهم و إعلاء كلمة الاسلام فيها. و الفكرة في أساسها من أعظم الأفكار الاسلامية شموخا و إخلاصا و مشروعية، و إن كان التطبيق أحيانا ينطلق من زوايا منحرفة حادة.
و قوله: «يقوم إليه»، يعني يتصدى لمعارضته و مقاومته و منازلته. و قوله:
«يدقه»، أي يكسر الصليب و يبيده و يفنيه. و هو معنى إخراج الصليبيين من بلاد الاسلام، و إزالة حكمهم و احتلالهم عنها.
و لنا في تفسير هذه الحملات الظافرة، بعد أن كانت جذوة الثورة الحرارية لدى المسلمين قد خمدت منذ قرنين من الزمن، لنا فيها تفسيرات و بيانات، يطول المقام بعرضها.
و قوله (ص): «فعند ذلك تغدر الروم و تجتمع للملحمة». كناية عن بدء عصر النهضة الحديثة في أوربا. تلك النهضة التي بدأت جذور جرارتها و التحسس إليها من خلال الحروب الصليبية نفسها. فبينما كنا نجد الافرنج يستجيرون بالمسلمين و يتعاهدون معهم و يشتركون معا في حروب ذات هدف موحد. و هذا معناه أن فكرة الاستعمار الأوروبي لم يكن لها وجود، بل كانت أوربا تنظر إلى المجتمع المسلم نظرة الند للند على أقل تقدير.
و لكن نهضة الحروب الصليبية هي التي أوجبت التحسس الأوربي و إذاقتها طعم الانتصار و الاثراء على حساب الشعوب الضعيفة، و كل ما فعلته أوروبا بعد ذلك أنها جردت نهضتها عن العنصر الديني و أبدلته بالمفهوم المادي العلماني للعالم، و هذا هو الفرق الأساسي بين النهضة الأوربية الحديثة و النهضة الصليبية.
يشير إلى مثل هذا المفهوم بعض المؤرخين [1] و يقول: «إن تلك الحروب و إن هلك فيها كثير من النفوس، و ذهب فيها كثير من الأموال، من غير حصول على