نام کتاب : تاريخ الغيبة نویسنده : الصدر، السيد محمد جلد : 2 صفحه : 337
و الانعزال عن التمحيص، بعد كونه قانونا منطبقا على كل البشر، في التخطيط الإلهي. فيتعين أن يراد بالفتن المعنى الثاني، و هو الكفر و الانحراف.
و طبقا لهذا المعنى يكون في فهم هذه الروايات أطروحتان:
الأطروحة الأولى:
أن النبي (ص) يشير إلى زمان مستقبل بالنسبة إلى عصره، تحدث فيه الفتن.
و ينصح المسلمين بالانصراف عنها و الانعزال عن تيارها و القعود عن العمل معها أو ضدها .. بل اللازم هو اللجوء إلى ملجأ أو الخروج إلى البوادي و الأطراف هربا من التدخل في الفتنة.
و إذا صحت هذه الأطروحة، تكون هذه الأخبار، موافقة للقواعد العامة التي عرفناها عند وجوب العزلة، و مخالفة لها عند وجوب العمل و الجهاد، حيث نرى هذه الأخبار تأمر بالعزلة على كل حال.
الأطروحة الثانية:
أن النبي (ص) يشير إلى الفتن نفسها، بقوله: ستكون فتن. لا إنه يشير إلى الزمان الذي تقع فيه، كما هو الوجه في الأطروحة الأولى. فإنه لا ذكر للزمان في هذه الروايات أصلا. فيكون المراد: أن القاعد عن تأجيج الفتن و إثارتها و المشاركة فيها خير من القائم و القائم خير من الساعي. فإن المشاركة فيها، كلما كانت أقل، كان أفضل.
و معه يكون مضمونها صحيحا و مطابقا للقواعد. فان المشاركة في الفتنة مستلزم للانحراف و الفساد لا محالة، و هو مما لا يرضاه النبي (ص) لأمته، و ينصح بالتجنب عنه. و هذا في غاية الوضوح. و معه تخرج هذه الروايات عن كونها آمرة بالعزلة. و إنما هي تأمر بالانعزال عن الفتن لا عن العمل ضدها. بل قد يقال: إن فيها دلالة على جواز العمل ضد الفتن بل على وجوبه. فإن هذا العمل قد يكون هو الملجأ الوحيد للتخلص من الفتن. و قد أمر (ص) أن: «من وجد فيها ملجأ فليعذ به».
و على هذه الأطروحة عدة قرائن مرجحة لها من عبائر هذه الأحاديث الشريفة:
نام کتاب : تاريخ الغيبة نویسنده : الصدر، السيد محمد جلد : 2 صفحه : 337