و 16- في الحديث : «أَنه نَهَى عن ذَبْح ذَواتِ الدَّرِّ » . أَي ذوات اللَّبَن. و يجوز أَن يكون مصدر دَرَّ اللَّبنُ إِذَا جَرَى. و منه 16- الحَدِيث : «لا يُحْبَس دَرُّكُم » . أَي ذواتُ الدَّرِّ . أَراد أَنها لا تُحشَر إِلى المُصَدِّق و لا تُحْبَسُ عن المَرْعَى إِلى أَن تَجْتَمِع الماشِيَةُ ثم تُعَدّ، لِمَا في ذََلك من الإِضرار بها. كالدِّرَّةِ ، بالكَسْرِ.
و الدِّرَّة أَيضاً و الدَّرُّ : كَثْرَتُه و سَيَلانُه. و 16- في حديث خُزَيمة : «غَاضَتْ لها الدِّرّة » . و هي اللَّبَن إِذا كَثُرَ و سال، كالاسْتِدْرارِ يقال: استدَرَّ اللَّبَنُ و الدَّمعُ و نحوُهما: كَثُرَ. قال أَبو ذُؤَيب:
إِذا نَهَضَتْ فيه تَصَعَّدَ نَفْرَهَا # كقِتْرِ الغِلاَءِ مُسْتدِرٌّ صِيَابُهَا
استعار الدَّرّ لشِدَّةِ دَفْعِ السِّهَامِ.
و دَرَّ اللَّبَنُ و الدَّمْعُ يَدُرُّ ، بالضَّمّ و يَدِرُّ ، بالكَسْر، دَرًّا و دُرُوراً ، و كذََلك النَّاقَةُ إِذا حُلِبَت فأَقبلَ منها على الحالِب شَيْءٌ كَثِيرٌ قِيل: دَرَّتْ ، و إِذا اجتمعَ في الضَّرْع من العُروق و سائر الجَسَدِ قيل: دَرَّ اللَّبَن. و الاسمُ الدَّرَّةُ ، بالكَسْرِ و بالفَتْح أَيضاً، كما في اللّسَان. و بهما جاءَ المَثَل: «لا آتِيكَ ما اخْتلفَت الدَّرَّة و الجِرَّة» و اخْتلافهما أَنَّ الدِّرَّة تَسْفُلُ و الجِرَّةَ تَعْلُو، و قد تقدّم.
و عن ابن الأَعرابيّ: الدَّرُّ : العَمَلُ من خَيرٍ أَو شَرٍّ. و منه قولهم: للّه دَرُّهُ ، يكون مَدْحاً، و يكون ذَماًّ، كقولهم: قاتَلَه اللّه ما أَكْفَرَه، و ما أَشْعَره، و معناه أَي للّه عَمَلُه ، يقال هََذا لِمَن يُمْدَح و يُتَعَجَّب من عَمَلِه. و إِذا ذُمَّ عَملُه قيل: لاَ دَرَّ دَرُّه ، أَي لا زَكَا عَمَلُه ، و كُلُّ ذََلك على المَثَلِ. و قِيل: للّه دَرُّك مِن رَجُلٍ. معناه للّه خَيرُكَ و فعَالُك. و إِذَا شَتَمُوا قالوا:
لا دَرَّ دَرُّه ، أَي لا كَثُرَ خَيْرُه. و قيل: للّه دَرُّك ، أَي للّه ما خَرَجَ منك من خَيْر. قال ابن سَيدَه: و أَصلُه أَنّ رَجُلاً رأَى آخَرَ يَحلُبُ إِبِلاً، فتعَجَّب من كَثْرةِ لَبَنِهَا، فقال: للّه دَرُّك .
و قيل: أَراد للّه صالِحُ عَمَلِك، لأَنَّ الدَّرَّ أَفضلُ ما يُحْتَلَب.
قال بعضهم: و أَحسبَهُم خَصُّوا اللَّبَن لأَنَّهُم كانُوا يَفْصِدُون النَّاقَةَ فيَشْربُون دَمَهَا و يفْتَظُّونهَا [1] فيشربون ماءَ كَرشِها، فكان اللَّبَنُ أَفضَلَ ما يَحْتَلِبُون.
قال أَبو بكْرِ: و قال أَهلُ اللُّغَة في قَوْلهم: للّه دَرُّه .
الأَصْلُ فيه أَن الرَّجلَ إِذا كَثُرَ خَيْرُهُ و عَطَاؤُه و إِنَالَتُه النَّاسَ قيل: للّه دَرُّه ، أَي عَطَاؤُه و ما يُؤْخَذُ منه، فشَبَّهوا عَطَاءَه بدَرِّ النّاقَةِ، ثمّ كَثُرَ استِعْمَالُهُم حَتَّى صارُوا يَقُولُونه لكلّ مُتعجَّب مِنْه.
قلْت: فعُرِفَ ممّا ذَكرْناه كُلّه أَن تَفْسِير الدَّرِّ بالخَيْر و العَطَاءِ و الإِنَالَة إِنّما هو تفسيرٌ باللازم، لا أَنَّه شَرْحٌ له على الحَقِيقَة؛ فإِن الدَّرَّ في الأَصل هو اللَّبَن، و إِطلاقُه على ما ذُكِرَ تَجَوُّز، و إِنما أُضِيف للّهِ تعالى إِشارَةً إِلى أَنه لا يَقدِر عليه غَيْرُه. قال ابنُ أَحمر: