و من هنا، و على أساس ما تقدم، صح أن يقال بأن الضابط في القواعد الأصولية هو اجتماع أمرين:
الأمر الأول: كون المقدمة واقعة في القياس الأخير، بمعنى أنها صالحة للوقوع، لا إنها واقعة بالفعل.
الأمر الثاني: إنّ هذه المقدمة التي تقع في القياس الأخير، يجب أن تكون مقدمة مشتركة، يعني أنها مأخوذة (لا بشرط) من حيث المادة.
و مجموع هذين الأمرين يتوفران بحسب الحقيقة في تمام مباحث علم الأصول المتعارفة، فإنّ مباحث الأصول و الحجج كلها تقع كبريات في القياس الأخير، و هي أيضا مقدمات مشتركة، و ليست مادية، و أبحاث الظواهر بتمامها أيضا تقع صغريات في القياس الأخير، و هي أيضا مقدمات مشتركة، و ليست مادية، و أبحاث الاستلزامات العقلية أيضا تقع في القياس الأخير، لأنها تنفي الحكم، أو تثبت الحكم، و هي أيضا مقدمات غير مادية، لأنه لم يؤخذ في موضوعها مادة دون مادة.
إذن فهذه الأبحاث كلها واجدة لهذين الشرطين، و هي أنها مقدمة في القياس الأخير و ليست مادية، و يكفي هذا في أصولية المسألة. و باقي المسائل التي هي مقدمات في الاستنباط فاقدة لأحد هذين الشرطين، فإمّا أنها مقدمة في قياس ما قبل الأخير كالمسائل الرجالية، و إمّا أنها مقدمة مادية غير مشتركة من قبيل مسائل علم الحديث.
و بحسب الحقيقة إنّ هذا الضابط الذي ذكرناه ليس مجرد عنوان منتزع عن الأبحاث الواقعة في علم الأصول خارجا، بحيث رأينا الأبحاث الواقعة، و فكّرنا