الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا و شفيعنا محمد و آله الهداة الطاهرين.
أما بعد: فإن ثلّة من الرجال لا يعيشون بين أممهم كأفراد، و إنما يعيشون و يموتون و هم يشكلون قضية، تلوّن مسيرة أممهم، بل تطبع سلوك هذه الأمم في الفكر، و العمل، و التوجهات.
إن اختراق هذا النموذج من الرجال، لحواجز و قوانين (الفردية)، لا يتأتى إلّا بعد توفر مواصفات و شروط صعبة، يندر أن تتوفر إلّا للأبدال من الناس، بل حتى هذه الشروط التي تسبب اختراق قوانين الفردية، تختلف و تتفاوت فيما بين مفردات هذه الثلة من الأبدال و لذا:
فمنهم: من يبرز في أمته كبطل وطني يفجر قضية الصراع بين أمته و أعدائها من غزاة خارجيين، أو طغاة محليين، و بهذا يرسم لشعبه طريق الخلاص.
و منهم: من يبرز في أمته كمفكر وطني، عند ما برسم لأمته أطروحة خلاصها من أعدائها، عبر صيغ فكرية تحدد مواقف الأمة، و تثرى مسيرتها، و تشحذ عزيمتها، و توفر لها بالتالي أسباب التحرر و الانعتاق.
شهد التاريخ مثل هذين النموذجين في أكثر أطواره و مراحله، و لكن قلّ و ندر أن شهد التاريخ نموذجا من الرجال، يقدم لأمته أطروحة تحررها، و وثيقة