ما ذكره المحقق العراقي ((قدّس سرّه)) في تعريف علم الأصول
و أما المحقق العراقي فقد حاول أن يعرف علم الأصول و يميز مسائله عن المقدمات الأخرى التي يحتاجها الفقيه في عملية الاستنباط، بإعطاء ميزان آخر، و حاصله: إن المدار في المسألة الأصولية على وقوعها في طريق استنباط الحكم الشرعي بنحو يكون ناظرا إلى إثبات الحكم بنفسه، أو بكيفية تعلقه بموضوعه [1] فكل مقدمة من مقدمات الاستنباط تكون بصدد إثبات أصل الحكم أو كيفيته- و نقصد بالإثبات ما يعم الإثبات التنجيزي و التعذيري فهي مسألة أصولية، فمسألة دلالة الأمر على الوجوب مثلا، مسألة أصولية باعتبار أنها ناظرة و راجعة إلى إثبات الحكم، و كذلك مسألة حجية خبر الثقة، أو الاستصحاب، أو غيره من الأصول العملية، فإنها كلها ترجع إلى إثبات الحكم إثباتا تنجيزيا، أو تعذيريا. و مثل هذا لا يكون في المقدمات الأخرى للاستنباط، من قبيل مدلول كلمة الصعيد، أو وثاقة الراوي، فإنها مسائل مستقلة في ذاتها، لا ترتبط بالحكم أو بكيفيته، و إن كانت قد تقع موضوعا للحكم، و يكون لها دخل في الاستنباط.
و لقد أسيء فهم هذا الميزان الذي أفاده المحقق العراقي من قبل بعضهم، فاعترض عليه بأنه يلزم من ذلك خروج مثل مباحث العموم و الإطلاق، و الجملة الشرطية و نحوها عن مسائل الأصول، لأنها من قبيل البحث عن مدلول كلمة (الصعيد) مثلا، لا تكون ناظرة إلى الحكم، و إنما ترجع إلى تحديد متعلق الأحكام و موضوعاتها.
و مثل هذا الاعتراض ناتج من عدم التوصل إلى حاقّ مقصود المحقق
[1] بدائع الأفكار بتصرف: ج 1 ص 24- منهاج الأصول: ج 1 ص 21.