فمثلا حجية خبر الواحد- لو كان المولى يجعل الحجية للخبر الواحد- و لم نستطع إثباتها بحسب مقام الإثبات، فلا يكون لها أثر في التنجيز و التعذير، و إنما تكون منجزة، و حجة بوجودها الواصل، لا بوجودها الواقعي. فالقواعد الأصولية بحسب الحقيقة هي إثباتات هذه العناوين- يعني إثبات حجية خبر الواحد-- لا ذات حجية الخبر الواحد في اللوح المحفوظ- لأن ذات حجية خبر الواحد في اللوح المحفوظ، إذا لم يثبت، فبحسب مقام الإثبات لا يكون واقعا في قياس التنجيز و التعذير، و إنما يقع في قياس التنجيز و التعذير بوجوده الإثباتي، لا بوجوده الثبوتي.
فإذا اتضحت هذه الأمور الثلاثة، يتضح حينئذ أن ما ذكره المتقدمون من أن موضوع علم الأصول هو الأدلة الأربعة في غاية الوجاهة، و ذلك لأن علم الأصول هو العلم بإثباتات القواعد المشتركة في القياس الفقهي، و حينئذ لا بد من فرض حجة و مرجع مفروغ عن حجيته قبل علم الأصول، لكي يكون هو الواسطة في إثبات هذه القواعد المشتركة، لأنه لا يصح أن نثبت القاعدة المشتركة بواحدة مثلها، و لا القواعد المشتركة بواحدة منها.
إذن فلا بد لإثبات هذه القواعد المشتركة من فرض مرجع و حجة فوقانية، ثابتة حجيتها قبل هذا العلم، و يكون ذاك المرجع الفوقاني هو المرجع في إثبات هذه القواعد المشتركة، إمّا مباشرة أو بالواسطة، إذن ما هو ذاك المرجع الذي تكون حجيته ثابتة قبل علم الأصول؟ و في علم الأصول نثبت به القواعد المشتركة؟.
فالقدماء كانوا يقولون: إن المصادر الأربعة مصادر مفروغ عن حجيّتها قبل علم الأصول يعني أنه لا كلام في حجية العقل، و لا كلام في حجية السّنة، و لا كلام في حجية الإجماع. و بهذه المصادر نثبت القواعد المشتركة إمّا بواسطة و إمّا بلا واسطة بل مباشرة؛ مثلا قاعدة الملازمة بين وجوب الشيء و وجوب مقدمته نثبتها بالعقل، و قاعدة البراءة أو حجية خبر الواحد: نثبتها إما بالعقل، أو بالإجماع، أو بالسنّة، أو بالكتاب.
إذن تمام قواعد علم الأصول لا بد من الانتهاء في إثباتها إلى أحد هذه