من مجموع ما تقدم تبين كذلك ما هو مشهور فيما بينهم من نزاع، من أن تمايز العلوم هل يكون بتمايز الموضوعات أو بتمايز الأغراض؟.
فإنّ هذا التقابل بين الموضوع و بين الغرض، بناء على التفسير المشهوري للعرض الذاتي، و هو أن يراد من الذاتية في العرض الذاتي الذاتية بلحاظ المحلية، حينئذ يكون الغرض أمرا في مقابل الموضوع. فيقال مثلا- بأن موضوع علم النحو هو الكلمة، و الغرض من علم النحو هو صيانة اللسان عن الخطأ. أو موضوع علم الطب هو مزاج الإنسان، و غرض علم الطب هو صحة المزاج. هذا لو قلنا بأن معنى الموضوع ما يكون محطا و محلا للأعراض، و محلا للمحمولات، حينئذ يكون عندنا موضوع و في مقابله غرض، و يقال بأن التمايز بالموضوعات أو بالأغراض!.
أمّا بناء على ما فسّرنا من أن المراد بالأعراض الذاتية، الذاتية بلحاظ المنشئية و العلية لا المحلية، إذن فنفس الغرض يكون موضوعا أيضا، إذا كان هناك علم كعلم الطب له غرض وحداني، فهذا الغرض بنفسه يصلح أن يكون موضوعا لعلم الطب، و تكون قضايا علم الطب باحثة عن أحواله، باعتبار أن أسباب الغرض أحوال و أعراض له، على ما ذكرنا من أن العلة الغائية يكون معلولاتها عوارض ذاتية بالنسبة إليها. فبناء على أن معنى العرض الذاتي أن الذاتية هي التي تكون بلحاظ المنشئية و العلية- فيكون موضوع العلم منشأ لمحمولاته لا محلا لمحمولاته- و المنشأ كما قد يكون منشأ بنحو العلة الفاعلية، يكون منشأ بنحو العلة الغائية، كما تقدم.
إذن فلا يبقى تقابل بين الموضوع و الغرض، حتى يبحث هل أن تمايز العلوم بالأغراض أو بالموضوعات. بل بحسب الحقيقة إن كل غرض يفرض