و كان لا يدعوه أحد من أصحابه و غيرهم إلا و قال: لبيك.
و كان إذا جلس مع الناس إن تكلموا في معنى الآخرة أخذ معهم، و إن تحدثوا في طعام أو شراب تحدّث معهم، و إن تكلموا في الدنيا تحدّث معهم رفقا بهم و تواضعا لهم.
و كان يتناشدون الشعر بين يديه أحيانا، و يذكرون أشياء من أمر الجاهلية، و يضحكون فيبتسم هو إذا ضحكوا، و لا يزجرهم إلا عن حرام.
النور الثامن عشر و هو نور الأتباع:
فما ظهر لهم من النصر بالسنان فإنهم استفتحوا بلاد الكفر من بعده (صلى اللّه عليه و سلّم) و ما فتح اللّه به، و ما ظهر على رجال أمته من الكرامات على العلماء من العلوم على أنحائها.
و بالجملة: ظهر أن الأمر فيه مع الأنبياء و الرسل هو الأمر فيهم مع العلماء و الملل و الدول.
* قلت: فهو نور الأمم: أي البادي في نفسه المبدي لغيره، و الأمم: جمع أمّة، و هى الطائفة القاصدة لمأمّ: أي مقصد يقصده؛ ليهتدي به مما أحست به من ضلال مسلكها، و أن اللّه عزّ و جلّ كما ورد: خلق الخلق في ظلمة [1]، و ظلمة الخلق ذواتهم و إحساسهم بأنفسهم، تلك ظلمتهم التي طمست عنهم الوجد بربّهم، ثم تضاعفت عليهم ظلم ذواتهم دركة دركة إلى أسفل سافلين و إلى أطباق سجين، بحيث صارت أدنى الظلمتين طمسا أهونهما بما يداخل أدنى الظلمتين من نور يظهر ظلمه أشدهما، و كل نور يظهر ذاتا من ذوات الخلق؛ فهو بما يظهر نور، و بما هو دون إراءة الحق و إظهار نور اللّه ظلمة.
[1] رواه الحكيم الترمذي في النوادر (4/ 113)، و ذكره المباركفوري في تحفة الأحوذي (7/ 166).