فخلا سبيله، فجاء أصحابه، فقال: جئتكم من عند خير الناس [1]».
و كان (صلى اللّه عليه و سلّم) أجود الناس و أسخاهم.
و كان في شهر رمضان كالريح المرسلة لا يمسك شيئا، و ما سئل شيئا قط على الإسلام إلا أعطاه.
و إن رجلا أتاه فسأله فأعطاه غنما سدّت ما بين جبلين، فرجع إلى قومه، و قال:
أسلموا؛ فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة [2].
و ما سئل شيئا قط فقال له: لا، و حمل إليه تسعون ألف درهم فوضعها على حصير، ثم قام إليها فقسّمها فما ردّ سائلا حتى فرغ منها.
و لمّا قفل من حنين جاءت الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى شجرة فخطفت رداءه، فوقف رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلّم)، و قال: «أعطوني ردائي، لو كان عندي عدد العضاه نعما لقسّمتها بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا و لا كذّابا و لا جبانا [3]»، فحاشاه من ذلك (صلى اللّه عليه و سلّم) لبيان كرمه، و شجاعته (صلى اللّه عليه و سلّم)، و كان (صلى اللّه عليه و سلّم) أكرم الناس و أشجعهم.
قال عليّ رضي اللّه عنه: «لقد رأيتني يوم بدر و نحن نلوذ بالنبي (صلى اللّه عليه و سلّم) و هو أقربنا إلى العدوّ، و كان من أشدّ النّاس يومئذ بأسا [4]».
و قال أيضا رضي اللّه عنه: «كنّا إذا احمرّ البأس و لقي القوم القوم اتقينا برسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلّم)، فما يكون أحد أقرب إلى العدوّ منه [5]».
و قيل: «كان (صلى اللّه عليه و سلّم) قليل الكلام، قليل الحديث، فإذا أمر النّاس بالقتال تشمّر، و كان
[1] رواه أحمد (3/ 390)، و ابن حبان في صحيحه (7/ 138)، و الحاكم في المستدرك (3/ 31).
[2] رواه مسلم (4/ 1806)، و البيهقي في الكبرى (7/ 19).