هناك بالفناء المحض، و الطمس الكلي للرسوم كلها تنبيه في تفسير الآية، ثم دنا: أي النبي (صلى اللّه عليه و سلّم) من اللّه تعالى و ترقى عن مقام جبريل بالفناء في الوحدة، و الترقي عن مقام الروح.
و في هذا المقام قال جبريل (عليه السّلام): «لو دنوت أنملة لاحترقت [1]» إذ وراء مقامه ليس إلا الفناء في الذات، و الاحتراق بسبحات الجمال لا سبحات الجلال؛ لأن سبحات الجلال هي أنوار تجليات الصفات، و سبحات الجمال هي أنوار تجليات الذات، و الاحتراق بالجمال، فتدلى: أي مال إلى الجهة الإنسيّة بالرجوع من الحق إلى الخلق حال البقاء بعد الفناء، و الوجوب الموهب الحقاني، فكان قاب قوسين: أي كان (صلى اللّه عليه و سلّم) مقدار دائرة الوجود الشاملة للكل المنقسمة بخط موهوم إلى قوسين، باعتبار الحق و الخلق، و الاعتبار هو الخط الموهوم القاسم للدائرة إلى نصفين، فباعتبار البداية و التداني يكون الخلق هو القوس الأول الحاجب للهوية في أعيان المخلوقات و صورها، و الحق تعالى هو النصف الأخير، و باعتبار النهاية و التدلي، فالحق هو القوس الأول الثابت على حاله أزلا و أبدا، و الخلق هو القوس الأخير الذي يحدث بعد الفناء بالوجود الجديد الذي وهب له.
و هذا ما دامت الاثنينية أو أدنى من مقدار القوسين بارتفاع الاثنينية الفاصلة الموهومة لاتصال أحد القوسين بالآخر، و تحقق الوحدة الحقيقة في عين الكثرة بحيث تضمحل الكثرة فيها و تبقى الدائرة غير منقسمة بالحقيقة، و هذا نهاية الولاية.
فما أكمل نبيّنا محمد (صلى اللّه عليه و سلّم) و ما أسعدنا به (صلى اللّه عليه و سلّم)، فلله الحمد و المنّة على هذا النبي الكريم الذي شرف الأكوان (صلى اللّه عليه و سلّم).
لائحة سدرة المنتهى شهود الخلائق الكونية، و قاب قوسين شهود: (الرقائق الأسمائية) أو أدنى شهود الذات، و رؤيتها شهود لا أكمل منه.
النور التاسع و هو نور التركيب:
فهو الذي انكشف له به عن الغاية العظمى في التوحيد، فإنه كان إذا فكّر في