إن سأل سائل فقال: ما تأويل قوله تعالى: رَبَّنََا لاََ تُزِغْ قُلُوبَنََا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنََا وَ هَبْ لَنََا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ اَلْوَهََّابُ ؛ [آل عمران: 8].
أ و ليس ظاهر الآية يقتضي أنه تعالى يجوز أن يزيغ القلوب عن الإيمان حتى تصحّ مسألته تعالى ألاّ يزيغها، و يكون هذا الدعاء مفيدا؟
الجواب، قلنا فى هذه الآية وجوه:
أوّلها أن يكون المراد بالآية: ربنا لا تشدّد علينا المحنة فى التكليف، و لا تشق علينا فيه، فيفضى بنا ذلك إلى زيغ القلوب منّا بعد الهداية؛ و ليس يمتنع أن يضيفوا ما يقع من زيغ قلوبهم عند تشديده تعالى عليهم المحنة إليه؛ كما قال عز و جل فى السورة: إنّها [1] زادتهم رجسا إلى رجسهم، و كما قال مخبرا عن نوح عليه السلام: فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعََائِي إِلاََّ فِرََاراً ؛ [نوح: 6].
فإن قيل: كيف يشدّد عليهم فى المحنة؟
قلنا: بأن يقوّى شهواتهم، لما قبحه فى عقولهم، و نفورهم [2] عن الواجب عليهم، فيكون التكليف عليهم بذلك شاقا، و الثواب المستحقّ عليهم عظيما متضاعفا و إنما يحسن أن يجعله شاقا تعريضا لهذه المنزلة.
و ثانيها أن يكون ذلك دعاء بالتثبيت لهم على الهداية، و إمدادهم بالألطاف التى معها يستمرّون على الإيمان.
فإن قيل: و كيف يكون مزيغا لقلوبهم بألاّ يفعل اللّطف؟
[1] الضمير يعود إلى المحنة؛ و الآية فى سورة التوبة: 125: وَ أَمَّا اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزََادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ .