فقال: أ ليس ظاهر هذه الآية يقتضي أنّ نصح النبي صلى اللّه عليه و آله لم ينفع [1] الكفار الذين أراد اللّه بهم الكفر و الغواية، و هذا بخلاف مذهبكم!
الجواب، قلنا: ليس فى ظاهر الآية ما يقتضيه خلاف مذهبنا؛ لأنه تعالى لم يقل إنه فعل الغواية أو أرادها؛ و إنما أخبر أن نصح [2] النبىّ عليه السلام لا ينفع إن كان اللّه يريد غوايتهم. و وقوع الإرادة لذلك أو جواز وقوعها لا دلالة عليه فى الظاهر؛ على أن الغواية هاهنا الخيبة و حرمان الثواب؛ و يشهد بصحة ما ذكرناه فى هذه اللفظة قول الشاعر:
فمن يلق خيرا يحمد النّاس أمره # و من يغو لا يعدم على الغىّ لائما [3]
فكأنه قال: إن كان اللّه يريد أن يعاقبكم بسوء أعمالكم و كفركم، و يحرمكم ثوابه فليس ينفعكم/نصحى ما دمتم مقيمين على ما أنتم عليه؛ إلا أن تقلعوا و تتوبوا.
و قد سمى اللّه تعالى العقاب غيا، فقال: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم: 59]؛ و ما قبل هذه الآية يشهد بما ذكرناه؛ و أن القوم استعجلوا عقاب اللّه تعالى: قََالُوا يََا نُوحُ قَدْ جََادَلْتَنََا فَأَكْثَرْتَ جِدََالَنََا فَأْتِنََا بِمََا تَعِدُنََا إِنْ كُنْتَ مِنَ اَلصََّادِقِينَ. `قََالَ إِنَّمََا يَأْتِيكُمْ بِهِ اَللََّهُ إِنْ شََاءَ وَ مََا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ. `وَ لاََ يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي... الآية؛ [هود: 32، 33]؛ فأخبر أن نصحه لا ينفع من يريد اللّه أن ينزل به العذاب، و لا يغنى عنه شيئا.