إن سأل سائل عن قوله تعالى: رَبَّنََا لاََ تُؤََاخِذْنََا إِنْ نَسِينََا أَوْ أَخْطَأْنََا ؛ [البقرة: 286].
فقال: كيف يجوز أن يأمرنا على سبيل العبادة بالدّعاء بذلك، و عندكم أن النسيان من فعله تعالى؟و لا تكليف على الناسى فى حال نسيانه؛ و هذا يقتضي أحد أمرين: إما أن يكون النسيان من فعل العباد على ما يقوله كثير من الناس، أو نكون متعبدين بمسألته تعالى ما نعلم أنه واقع حاصل؛ لأن مؤاخذة الناسى مأمونة منه تعالى، و القول فى الخطأ إذا أريد به ما وقع سهوا أو عن غير عمد يجرى هذا المجرى.
الجواب، قلنا: قد قيل فى تأويل هذه الآية: إنّ المراد بنسياننا تركنا.
قال أبو عليّ قطرب بن المستنير: معنى النسيان هاهنا الترك؛ كما قال تعالى: وَ لَقَدْ عَهِدْنََا إِلىََ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ؛ [طه: 115]، فنسى أى ترك؛ و لو لا ذلك لم يكن فعله معصية، و كقوله تعالى: نَسُوا اَللََّهَ فَنَسِيَهُمْ ؛ [التوبة: 67]، أى تركوا طاعته فتركهم من ثوابه و رحمته. و قد يقول/الرجل لصاحبه: لا تنسنى من عطيتك، أى لا تتركنى منها، و أنشد ابن عرفة [1] :
و لم أك عند الجود للجود قاليا # و لا كنت يوم الرّوع للطّعن ناسيا
أى تاركا.
و مما يمكن أن يكون على ذلك شاهدا قوله تعالى: أَ تَأْمُرُونَ اَلنََّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ؛ [البقرة: 44]، أى تتركون أنفسكم.