إن سأل سائل عن قوله تعالى: وَ مَنْ كََانَ فِي هََذِهِ أَعْمىََ فَهُوَ فِي اَلْآخِرَةِ أَعْمىََ وَ أَضَلُّ سَبِيلاً ؛ [الإسراء: 72]فقال: كيف يجوز أن يكونوا فى الآخرة عميا، و قد تظاهر الخبر عن الرسول عليه و آله السلام بأنّ الخلق يحشرون كما بدئوا سالمين من الآفات و العاهات، قال اللّه تعالى: كَمََا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ؛ [الأعراف: 29]، و قال عزّ و جل: كَمََا بَدَأْنََا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ؛ [الأنبياء: 104]، و قال جلّ و علا: فَبَصَرُكَ اَلْيَوْمَ حَدِيدٌ ؛ [ق: 22].
أحدها أن يكون العمى الأول إنما هو عن تأمّل الآيات، و النظر فى الدّلالات و العبر التى أراها اللّه المكلّفين فى أنفسهم و فيما يشاهدون، و يكون العمى الثانى هو عن الإيمان بالآخرة، و الإقرار/بما يجازى به المكلّفون فيها من ثواب أو عقاب، و قد قال قوم:
إن الآية متعلّقة بما قبلها من قوله تعالى: رَبُّكُمُ اَلَّذِي يُزْجِي لَكُمُ اَلْفُلْكَ فِي اَلْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ؛ [الإسراء: 66]إلى قوله تعالى: وَ لَقَدْ كَرَّمْنََا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْنََاهُمْ فِي اَلْبَرِّ وَ اَلْبَحْرِ وَ رَزَقْنََاهُمْ مِنَ اَلطَّيِّبََاتِ وَ فَضَّلْنََاهُمْ عَلىََ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنََا تَفْضِيلاً ؛ [الإسراء: 70]، ثم قال بعد ذلك: وَ مَنْ كََانَ فِي هََذِهِ أَعْمىََ فَهُوَ فِي اَلْآخِرَةِ أَعْمىََ وَ أَضَلُّ سَبِيلاً ؛ يعنى [2] فى هذه النعم، و عن هذه العبر، فهو فى الآخرة أعمى؛ أى هو عمّا غيّب عنه من أمر الآخرة أعمى، و يكون قوله: فِي هََذِهِ كناية عن النّعم لا عن الدنيا و يقال: إن ابن عباس رحمة اللّه عليه سأله سائل عن هذه الآية فقال له: اتل ما قبلها، و نبّهه على التأويل الّذي ذكرناه.