إن سأل سائل عن قوله تعالى حاكيا عن يوسف عليه السلام: قََالَ رَبِّ اَلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمََّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَ إِلاََّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ اَلْجََاهِلِينَ ، [يوسف: 33].
فقال: إذا كانت المحبة عندكم هى الإرادة، فهذا تصريح من يوسف عليه السلام بإرادة المعصية؛ لأن حبسه فى السجن، و قطعه عن التصرف معصية من فاعله؛ و قبيح من المقدم عليه؛ و هو فى القبح يجرى مجرى ما دعى إليه من الزنا. و قوله من بعد: وَ إِلاََّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ يدل على أنّ امتناعه من القبيح [1] مشروط بمنعهنّ و صرفهنّ [1] عن كيده؛ و هذا بخلاف مذهبكم، لأنكم تذهبون إلى أنّ ذلك لا يقع منه؛ صرف النّسوة عن كيده، أو لم يصرفهنّ.
الجواب، قلنا: أما قوله: رَبِّ اَلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمََّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ففيه وجهان من التأويل:
أولهما أنّ المحبّة متعلقة فى ظاهر الكلام بما لا يصحّ فى الحقيقة أن يكون محبوبا مرادا؛ لأنّ السجن إنما هو الجسم، و الأجسام لا يجوز أن يريدها؛ و إنما يريد الفعل فيها، أو المتعلّق بها؛ و السجن نفسه [2] ليس/بطاعة و لا معصية، و إنما الأفعال فيه قد تكون طاعات و معاصى بحسب الوجوه التى يقع عليها؛ و إدخال القوم يوسف عليه السلام الحبس، أو إكراههم له على دخوله معصية منهم؛ و كونه فيه و صبره على ملازمته، و المشاقّ التى تناله باستيطانه طاعة منه و قربة، و قد علمنا أنّ ظالما لو أكره مؤمنا على ملازمة بعض المواضع، و ترك