قال اللّه تعالى مخبرا عن يوم القيامة: ذََلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ اَلنََّاسُ وَ ذََلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ، `وَ مََا نُؤَخِّرُهُ إِلاََّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ. `يَوْمَ يَأْتِ لاََ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاََّ بِإِذْنِهِ [هود: 103-105]. و قال فى موضع آخر: هََذََا يَوْمُ لاََ يَنْطِقُونَ. `وَ لاََ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ [المرسلات: 35، 36]. و فى موضع آخر: وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلىََ بَعْضٍ يَتَسََاءَلُونَ [الصافات: 27، و الطور: 25].
و ظاهر هذه الآيات ظاهر الاختلاف، لأن بعضها ينبئ عن أنّ النطق لا يقع منهم فى ذلك اليوم، و لا يؤذن لهم فيه، و بعضها ينبئ عن خلافه. و قد قال قوم من المفسّرين فى تأويل [1] هذه الآيات: إن يوم القيامة يوم طويل ممتدّ، فقد يجوز أن يمنع النّطق فى بعضه، و يؤذن لهم فى بعض آخر [2] ؛ و هذا الجواب يضعّف، لأن الإشارة إلى يوم القيامة بطوله، فكيف يجوز أن تجعل الحالات فيه مختلفة؛ و على هذا التأويل يجب أن يكون قوله تعالى: هََذََا يَوْمُ لاََ يَنْطِقُونَ فى بعضه، و الظاهر بخلاف ذلك.
و الجواب السديد عن هذا أن يقال: إنما أراد اللّه تعالى/نفى النّطق المسموع المقبول الّذي ينتفعون به، و يكون لهم فى مثله عذر أو حجّة، و لم ينف النطق الّذي ليست هذه حاله، و يجرى هذا مجرى قولهم: خرس فلان عن حجّته، و حضرنا فلانا يناظر فلانا فلم يقل شيئا، و إن كان الّذي وصف بالخرس عن الحجّة، و الّذي نفى عنه القول قد تكلّم بكلام كثير غزير، إلاّ أنّه من حيث لم يكن فيه حجّة، و لا به منفعة جاز إطلاق القول الّذي حكيناه عليه؛ و مثل هذا قول الشاعر [3] :