إن سأل سائل عن قوله تعالى حاكيا عن شعيب عليه السلام: قَدِ اِفْتَرَيْنََا عَلَى اَللََّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنََا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجََّانَا اَللََّهُ مِنْهََا وَ مََا يَكُونُ لَنََا أَنْ نَعُودَ فِيهََا إِلاََّ أَنْ يَشََاءَ اَللََّهُ رَبُّنََا ؛ [الأعراف: 89].
فقال: أ ليس هذا تصريحا منه بأنّ اللّه تعالى يجوز أن يشاء الكفر و القبيح؛ لأن ملّة/ قومه كانت كفرا و ضلالا، و قد أخبر أنّه لا يعود فيها إلاّ أن يشاء اللّه؟
الجواب، قيل له فى هذه الآية وجوه:
أولها أن تكون الملّة التى عناها اللّه إنما هى العبادات الشرعيات؛ التى كان قوم شعيب متمسكين بها؛ و هى منسوخة عنهم، و لم يعن بها ما يرجع إلى الاعتقادات فى اللّه و صفاته؛ مما لا يجوز أن تختلف [1] العبادة فيه، و الشرعيات يجوز فيها اختلاف العبادة؛ من حيث تبعت [2] المصالح و الألطاف و المعلوم من أحوال المكلّفين؛ فكأنّه قال: إنّ ملتكم لا نعود فيها؛ مع علمنا بأنّ اللّه تعالى قد نسخها و أزال حكمها، إلاّ أن يشاء اللّه أن يتعبّدنا بمثلها فنعود إليها؛ و تلك الأفعال التى كانوا متمسّكين بها؛ مع نسخها عنهم و نهيهم عنها-و إن كانت ضلالا و كفرا-فقد كان يجوز فيما هو مثلها أن يكون إيمانا و هدى؛ بل فيها أنفسها قد كان يجوز ذلك؛ و ليس تجرى هذه الأفعال مجرى الجهل باللّه تعالى، الّذي لا يجوز أن يكون إلاّ قبيحا.
و قد طعن بعضهم على هذا الجواب فقال: كيف يجوز أن يتعبّدهم اللّه تعالى بتلك الملّة مع قوله: قَدِ اِفْتَرَيْنََا عَلَى اَللََّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنََا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجََّانَا اَللََّهُ مِنْهََا ؟