إن سأل سائل عن قوله تعالى: فَغَشِيَهُمْ مِنَ اَلْيَمِّ مََا غَشِيَهُمْ ؛ [طه: 78].
فقال: ما الفائدة فى قوله: مََا غَشِيَهُمْ ، و قوله: غَشِيَهُمْ يدل عليه، و يستغنى به عنه، لأن غَشِيَهُمْ لا يكون إلاّ الّذي غشيهم، و ما الوجه فى ذلك؟
قلنا: قد ذكر/فى هذا أجوبة:
أحدها أن يكون المعنى: فغشيهم من اليمّ البعض الّذي غشيهم، لأنه لم يغشهم جميع مائه، بل غشيهم بعضه، فقال تعالى: مََا غَشِيَهُمْ ؛ ليدل على أنّ الّذي غرّقهم بعض الماء، و أنّهم لم يغرقوا بجميعه؛ و هذا الوجه حكى عن الفرّاء، و ذكره أبو بكر الأنبارىّ، و اعتمده، و غيره أوضح منه.
و اليم هو البحر، قال الشاعر:
و بنى تبّع على اليمّ قصرا # عاليا مشرفا على البنيان
و ثانيها أن يكون المعنى: فغشيهم من اليم ما غشى موسى و أصحابه؛ و ذلك أن موسى عليه السلام و أصحابه، و فرعون و أصحابه سلكوا جميعا البحر، و غشيهم كلّهم؛ إلاّ أنّ فرعون و قومه لمّا غشيهم غرّقهم، و موسى عليه السلام و قومه جعل لهم فى البحر طريق يبس، فقال تعالى:
فغشى فرعون و قومه من ماء اليم ما غشى موسى و قومه، فنجا هؤلاء، و هلك هؤلاء.
و على هذا الوجه و التأويل تكون الهاء فى قوله: مََا غَشِيَهُمْ كناية عن غير من كنّى عنه بقوله: فَغَشِيَهُمْ ؛ لأن الأولى كناية عن فرعون و قومه، و الثانية كناية عن موسى و قومه.
و ثالثها أنه غشيهم من عذاب اليمّ و إهلاكه لهم ما غشى الأمم السالفة من العذاب
نام کتاب : الأمالي - ط دار الفكر العربي نویسنده : السيد الشريف المرتضي جلد : 1 صفحه : 349