و قد ظنّ بعض من لا بصيرة له، و لا فطنة عنده أن تأويل هذه الآية أنّ اللّه تعالى استخرج من ظهر آدم عليه السلام جميع ذريته، و هم فى خلق الذّرّ، فقرّرهم بمعرفته، و أشهدهم على أنفسهم.
و هذا التأويل-مع أنّ العقل يبطله و يحيله-مما يشهد ظاهر القرآن بخلافه؛ لأن اللّه تعالى قال: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ، و لم يقل: من آدم، و قال: مِنْ ظُهُورِهِمْ ، و لم يقل: من ظهره، و قال: ذُرِّيَّتَهُمْ ، و لم يقل: ذرّيته؛ ثم أخبر تعالى بأنه فعل ذلك لئلا يقولوا يوم القيامة: إنهم كانوا عن ذلك غافلين، أو يعتذروا بشرك آبائهم، و أنّهم نشئوا على دينهم و سنّتهم؛ و هذا يقتضي أنّ الآية لم تتناول ولد آدم عليه السلام لصلبه؛ و أنها إنما [1] تناولت من كان له آباء مشركون؛ و هذا يدلّ على اختصاصها ببعض ذرّية [2] بنى آدم؛ فهذه شهادة الظّاهر ببطلان تأويلهم، فأما شهادة العقول [3] فمن حيث لا تخلو هذه الذّرّية التى استخرجت من ظهر آدم عليه السلام فخوطبت و قرّرت من أن تكون كاملة العقول، مستوفية لشروط التكليف؛ أو لا تكون كذلك [4] .
فإن كانت بالصفة الأولى وجب أن يذكر هؤلاء بعد خلقهم و إنشائهم، و إكمال عقولهم ما كانوا عليه فى تلك الحال، و ما قرّروا به، و استشهدوا عليه؛ لأنّ العاقل لا ينسى ما جرى هذا المجرى، و إن بعد العهد و طال الزمان؛ و لهذا لا يجوز أن يتصرّف أحدنا فى بلد من البلدان و هو عاقل كامل فينسى مع بعد العهد جميع تصرّفه المتقدّم/و سائر أحواله.