إن سأل سائل فقال: ما تقولون فى قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: فَأَلْقىََ عَصََاهُ فَإِذََا هِيَ ثُعْبََانٌ مُبِينٌ [الشعراء: 32]، و قال فى موضع آخر: وَ أَنْ أَلْقِ عَصََاكَ فَلَمََّا رَآهََا تَهْتَزُّ كَأَنَّهََا جَانٌّ وَلََّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ[1] [القصص: 31].
و الثّعبان هو الحيّة العظيمة الخلقة، و الجانّ الصغير من الحيّات، فكيف اختلف الوصفان و القصة واحدة؟و كيف يجوز أن تكون العصا فى حالة واحدة من صفة ما عظم خلقه من الحيّات، و بصفة ما صغر منها؟و بأىّ شيء تزيلون التناقض عن هذا الكلام؟.
الجواب: أول ما نقوله [2] : إن الّذي ظنه السائل من كون الآيتين خبرا عن قصة واحدة باطل؛ بل الحالتان مختلفتان؛ فالحال [3] التى أخبر عن العصا فيها بصفة الجان [3] كانت فى ابتداء النبوّة، و قبل مصير موسى عليه السلام إلى فرعون، و الحال التى صارت العصا فيها ثعبانا كانت عند لقائه فرعون و إبلاغه الرسالة؛ و التلاوة تدلّ على ذلك؛ و إذا اختلفت القصّتان فلا مسألة.
على أن قوما من المفسّرين قد تعاطوا الجواب عن هذا السؤال؛ إمّا لظنّهم أن القصة واحدة، أو لاعتقادهم أن العصا الواحدة لا يجوز أن تنقلب فى حالتين: تارة إلى صفة الجانّ،
[1] حواشى الأصل، ت، ف: «لم يعقب: لم يرجع؛ و قيل لم يلتفت، و قيل لم يعطف و لم ينتظر؛ يقال: كر على القوم و ما عقب. و يرى أهل النظر أنه مأخوذ من العقب؛ و روى عن سفيان: لم يعقب:
لم يمكث، و يقال: عقب فى الأمر إذا تردد فى طلبه مجدا؛ و قوله تعالى: لاََ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ؛ أى لا يحكم بعد حكمه حاكم، و المعقب: الّذي بكر على الشيء، و قوله تعالى: لَهُ مُعَقِّبََاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ، أى للإنسان ملائكة يعقب بعضهم بعضا. و قال الفراء: ملائكة الليل تعقب ملائكة النهار؛ يعنى أنهم يتعاقبون ليلا و نهارا» .