قال سيدنا الشريف الأجلّ ذو المجدين/أطال اللّه بقاءه: إن سأل سائل فقال: ما الوجه فى قوله تعالى: إِنَّ اَلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيََاتِ اَللََّهِ وَ يَقْتُلُونَ اَلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ؛ [آل عمران: 21]، و فى موضع آخر: وَ قَتْلِهِمُ اَلْأَنْبِيََاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ؛ [النساء: 155]؛ و ظاهر هذا القول يقتضي أنّ قتلهم قد يكون بحقّ. و قوله تعالى: وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اَللََّهِ إِلََهاً آخَرَ لاََ بُرْهََانَ لَهُ بِهِ ؛ [المؤمنون: 117]. و قوله: اَللََّهُ اَلَّذِي رَفَعَ اَلسَّمََاوََاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهََا ؛ [الرعد: 2]، و قوله: وَ لاََ تَكُونُوا أَوَّلَ كََافِرٍ بِهِ وَ لاََ تَشْتَرُوا بِآيََاتِي ثَمَناً قَلِيلاً ؛ [البقرة: 41]، و قوله تعالى: لاََ يَسْئَلُونَ اَلنََّاسَ إِلْحََافاً ؛ [البقرة: 273]؛ و السؤال عن هذه الآيات كلّها من وجه واحد و هو الّذي تقدم.
الجواب، أنّ للعرب فيما جرى هذا المجرى من الكلام عادة معروفة، و مذهبا مشهورا، عند من تصفّح كلامهم و فهم عنهم. و مرادهم بذلك المبالغة فى النفى و تأكيده؛ فمن ذلك قولهم: فلان لا يرجى خيره؛ ليس يريدون أنّ فيه خيرا لا يرجى، و إنما غرضهم أنّه لا خير عنده على وجه من الوجوه؛ و مثله: قلّما رأيت مثل هذا الرجل، و إنما يريدون أنّ مثله لم ير لا قليلا و لا كثيرا؛ و قال امرؤ القيس:
على لاحب لا يهتدى بمناره [1] # إذا سافه العود الدّيافىّ جرجرا [2]
يصف طريقا؛ و أراد بقوله: «لا يهتدى بمناره» أنه لا منار له فيهتدى بها.