قال الشّريف المرتضى رضى اللّه عنه: قال أبو مسلم محمد بن بحر الأصبهانىّ [1] فى قوله تعالى: وَ اَلْأَرْضَ مَدَدْنََاهََا وَ أَلْقَيْنََا فِيهََا رَوََاسِيَ وَ أَنْبَتْنََا فِيهََا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ . [الحجر: 19]؛ قال: إنما خصّ الموزون دون المكيل بالذّكر لوجهين:
أحدهما أن غاية المكيل تنتهى إلى الوزن لأن سائر المكيلات إذا صارت طعاما دخلت فى باب الوزن و خرجت عن باب الكيل؛ فكأنّ الوزن أعمّ من الكيل.
و الوجه الآخر أن فى الوزن معنى الكيل؛ لأن الوزن هو طلب مساواة الشيء بالشيء.
و مقايسته إليه، و تعديله به؛ و هذا المعنى ثابت فى الكيل، فخصّ الوزن بالذّكر لاشتماله على معنى الكيل.
هذا قول أبى مسلم، و وجه الآية و ما يشهد له ظاهر لفظها غير ما سلكه أبو مسلم، و إنما أراد تعالى بالموزون المقدّر الواقع بحسب الحاجة؛ فلا يكون ناقصا عنها، و لا زائدا عليها زيادة مضرّة أو داخلة فى باب العبث. و نظير ذلك من كلامهم [2] قولهم: كلام فلان [3] موزون، و أفعاله مقدّرة موزونة؛ و إنما يراد ما أشرنا إليه، و على هذا المعنى تأوّل المفسرون ذكر الموازين فى القرآن على أحد التأويلين، و أنها التعديل و المساواة بين الثّواب و العقاب، قال الشاعر [4] :
لها بشر مثل الحرير و منطق # رخيم الحواشى لا هراء و لا نزر
و الهراء: الكثير، و النزر: القليل؛ فكأنه قال: إن حديثها لا يقلّ عن الحاجة
[1] كان أبو مسلم الأصبهانى على مذهب المعتزلة؛ و صنف التفسير على طريقتهم، و توفى سنة 370.