و قد ظنّ قوم من غفلة الملحدين و جهّالهم أن الجواب عمّا سئل عنه فى هذه الآية لم يحصل، و أن الامتناع منه إنما هو لفقد العلم به، و أن قوله تعالى: وَ مََا أُوتِيتُمْ مِنَ اَلْعِلْمِ إِلاََّ قَلِيلاً تبكيت و تقريع لم يقعا موقعهما؛ و إنما هو [2] على سبيل المحاجزة و المدافعة عن الجواب.
و فى هذه الآية وجوه من التّأويل تبطل ما ظنّوه، و تدلّ على ما جهلوه؛ أولها:
أنّه تعالى إنما عدل عن جوابهم لعلمه بأنّ ذلك ادعى لهم إلى الصلاح فى الدّين، و أن الجواب لو صدر منه إليهم لازدادوا فسادا و عنادا؛ إذ كانوا بسؤالهم متعنّتين [3] لا مستفيدين؛ و ليس هذا بمنكر؛ لأنّا نعلم فى كثير من الأحوال ممن [4] يسألنا عن الشّيء أنّ العدول عن جوابه أولى و أصلح فى تدبيره.
و قد قيل إن اليهود قالت لكفار قريش: سلوا محمدا؛ عن الرّوح فإن أجابكم فليس بنبىّ؛ و إن لم يجبكم فهو نبىّ؛ فإنّا نجد فى كتبنا [5] ذلك؛ فأمره اللّه بالعدول عن ذلك ليكون علما له و دلالة على صدقه، و تكذيبا لليهود الرادّين عليه؛ و هذا جواب أبى عليّ محمد بن عبد الوهاب الجبّائىّ [6] .
[7] * ف: «مجلس ثان» ، و فى حاشيتى الأصل، ف: «هذا المجلس مما افتتح به الكتاب، على ما وجد فى بعض النسخ» .