فى هذه [2] الآية وجوه من التأويل؛ كلّ منها يبطل الشبهة الدّاخلة على المبطلين فيها؛ حتى عدلوا بتأويلها عن وجهه، و صرفوه عن بابه.
أولها: أنّ الإهلاك قد يكون حسنا، و قد يكون قبيحا؛ فإذا كان مستحقّا أو على سبيل الامتحان كان حسنا، و إنما يكون قبيحا إذا كان ظلما؛ فتعلّق الإرادة به لا يقتضي تعلّقها به على الوجه القبيح، و لا ظاهر للآية [3] يقتضي ذلك؛ و إذا علمنا بالأدلّة تنزّه القديم تعالى عن القبائح علمنا أنّ الإرادة لم تتعلّق إلا بالإهلاك الحسن؛ و قوله تعالى:
أَمَرْنََا مُتْرَفِيهََا المأمور به محذوف؛ و ليس يجب أن يكون المأمور به هو الفسق، و إن وقع بعده الفسق؛ و يجرى هذا مجرى [4] قول القائل: أمرته فعصى، و دعوته فأبى.
و المراد أننى أمرته بالطّاعة، و دعوته إلى الإجابة و القبول.
و يمكن أن يقال على هذا الوجه: ليس موضع الشبهة ما تكلّمتم عليه؛ و إنما موضعها أن يقال: أىّ معنى لتقدّم الإرادة؟فإن كانت متعلّقة بإهلاك مستحقّ بغير الفسق المذكور فى الآية فلا معنى لقوله تعالى: وَ إِذََا أَرَدْنََا ... أَمَرْنََا ؛ لأن أمره بما يأمر به لا يحسّن إرادته