المقام الأوّل: الأمر الاضطراريّ‌

وردت في الشريعة المطهّرة أوامر لا تحصى تختصّ بحال الضرورات و تعذّر امتثال الأوامر الأوّليّة أو بحال الحرج في امتثالها، مثل التيمّم، و وضوء الجبيرة و غسلها، و صلاة العاجز عن القيام أو القعود، و صلاة الغريق.

و لا شكّ في أنّ الاضطرار ترتفع به فعليّة التكليف؛ لأنّ اللّه (تعالى) لا يكلّف نفسا إلّا وسعها. و قد ورد في الحديث النبويّ (صلّى اللّه عليه و آله) المشهور الصحيح: «رفع عن أمّتي ما اضطرّوا إليه» (1).

غير أنّ الشارع المقدّس- حرصا على بعض العبادات لا سيّما الصّلاة التي لا تترك بحال (2)- أمر عباده بالاستعاضة عمّا اضطرّوا إلى تركه بالإتيان ببدل عنه، فأمر- مثلا- بالتيمّم بدلا عن الوضوء أو الغسل، و قد جاء في الحديث: «يكفيك عشر سنين». (3) و أمر بالمسح على الجبيرة بدلا عن غسل بشرة العضو في الوضوء و الغسل (4). و أمر بالصّلاة من جلوس بدلا عن الصّلاة من قيام ... (5) و هكذا فيما لا يحصى من الأوامر الواردة في حال اضطرار المكلّف و عجزه عن امتثال الأمر الأوّليّ الاختياريّ، أو في حال الحرج في امتثاله.

و لا شكّ في أنّ هذه الأوامر الاضطراريّة هي أوامر واقعيّة حقيقيّة ذات مصالح ملزمة، كالأوامر الأوّليّة، و قد تسمّى «الأوامر الثانويّة» تنبيها على أنّها واردة لحالات طارئة ثانويّة على المكلّف، و إذا امتثلها المكلّف أدّى ما عليه في هذا الحال، و سقط عنه التكليف بها.

[1]. عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام)، قال: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «رفع عن أمّتي تسعة: الخطأ و النسيان، و ما أكرهوا عليه، و ما لا يعلمون، و ما لا يطيقون، و ما اضطرّوا إليه و ...». الخصال 2: 417، التوحيد: 353.

[2]. كما في الوسائل 9: 27، الباب 19 من أبواب الإحرام، الحديث 1.

[3]. قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) لأبي ذرّ: «يا أبا ذرّ يكفيك الصعيد عشر سنين». الوسائل 2: 984، الباب 14 من أبواب التيمم، الحديث 12.

[4]. الوسائل 1: 326- 328، الباب 39 من أبواب الوضوء.

[5]. الوسائل 4: 689، الباب 1 من أبواب القيام، الحديث 1، 2، 8، 13، 18.