للفقيه النبيه أن يكون في مثل هذه المقامات مراعيا للميزان. و مثل ذلك تجويزه مع خوف الضرر على الهاجي و المهجو مطلقاً، بل ينبغي أن يراعي الميزان في المقامات المختلفة. نعم، بالنسبة إلى الخوف على النفس هو جائز مطلقاً، كما ينبغي مراعاة المحرمات و أنواع الضرر (و) ينبغي مراعاة حال المهجو و الهاجي و الهجاء لاختلاف شدة الإثم و ضعفه، حتى أنه قال بعض أصحابنا (كلما كان الشعر أجود كان الوزر أشد، كما أن مسجَع النثر و أفصحه أشد إثما من غيره) [1].
و كيف كان فلا تجوز المقاصّة في الهجاء لتعلق الحقّين به: حق الله و حق الناس.
و من كتب هجو المؤمن في ديوانه وجب عليه كفايةً محوه و وجب على الناس ردعه على إشكال. هذا كله بالنظر إلى هجاء المؤمنين، و أما بالنظر إلى المشركين فلا كلام و لا خلاف في جواز هجوهم، كما لا كلام في جواز لعنهم و سبهم و شتمهم ما لم يكن قذفا مع عدم شرائطه أو فحشاً، و قد أمر رسول الله (صلّى الله عليه و آله و سلم) حساناً بهجوهم و قال: (إنه أشد عليهم من رشق النبال) [2]، و لو رجعوا عن عقيدتهم أو تاب الفاسق المتجاهر على تقدير جواز هجوه و كان قد كتب لزم محوه إن أوجبنا محو هجو المؤمن، و الظاهر إلحاق المخالفين بالمشركين لعدم الفرق بين الكفر الإسلامي و الإيماني، بل لعل هجاءهم على رءوس الأشهاد من أفضل عبادة العُبّاد ما لم تمنع من ذلك التقية.
الغيبة
و من جملة ما يحرم التكسب به الغيبة، و حرمتها و حرمة الاكتساب بها من الضروريات، و هي و إن لم يكن لذكرها في ما يحرم التكسب به فريد مناسبة؛ لأنها ليست مما يتعارف الاكتساب بها. و مثله الكذب و أضرابهما، و لكن حيث جرى ديدن الأصحاب بذكر هذه المحرمات في هذا الباب، فينبغي أن نقتفي أثرهم و نسلك جادتهم، فنقول: