ثم إنها أنّت أنّة و قالت: وا محمداه، وا حبيباه، وا أباه، وا أبا القاسماه، وا أحمداه، وا قلة ناصراه، وا غوثاه، وا طول كربتاه، وا حزناه، وا مصيبتاه، وا سوء صباحاه؛ و خرّت مغشيّة عليها. فضجّ الناس بالبكاء و النحيب، و صار المسجد مأتما.
ثم إنهم أوقفوا أمير المؤمنين (عليه السلام) بين يدي أبي بكر و قالوا له: مدّ يدك فبايع. فقال:
و اللّه لا أبايع، و البيعة لي في رقابكم.
فروى عن عدي بن حاتم أنه قال: و اللّه ما رحمت أحدا قط رحمتي علي بن أبي طالب (عليه السلام) حين أتي به ملبّبا بثوبه، يقودونه إلى أبي بكر و قالوا: بايع. قال:
فإن لم أفعل؟ قالوا: نضرب الذي فيه عيناك.
قال: فرفع رأسه إلى السماء و قال: اللهم إني أشهدك أنهم أتوا أن يقتلوني، فإني عبد اللّه و أخو رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله). فقالوا له: مدّ يدك فبايع، فأبى عليهم، فمدّوا يده كرها. فقبض علي (عليه السلام) أنامله، فراموا بأجمعهم فتحها فلم يقدروا. فمسح عليها أبو بكر و هي مضمومة، و هو (عليه السلام) يقول و ينظر إلى قبر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): ي «ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي»[1]. قال الراوي: إن عليا (عليه السلام) خاطب أبا بكر بهذين البيتين:
فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم * * * فكيف بهذا و المشيرون غيّب
و إن كنت بالقربى حججت خصيمهم * * * فغيرك أولى بالنبي و أقرب
و كان (عليه السلام) كثيرا ما يقول: وا عجباه! تكون الخلافة بالصحابة، و لا تكون بالقرابة و الصحابة؟!
المصادر:
1. علم اليقين في أصول الدين: ص 686، عن التهاب نيران الإحزان.
2. عوالم العلوم: ج 11 ص 571 ح 24، عن علم اليقين.
3. التهاب نيران الأحزان، على ما في علم اليقين في أصول الدين.