أن تقطع تلك المسافة إلى قبر حمزة في أرض أحد. فجعلت تأخذ يد الحسن و الحسين (عليهما السلام) و تخرج إلى البقيع باكية و تجلس بظل شجرة سدر و تذرف دموعها، و لكن لم تمض مدة حتى بادر المنافقون إلى قطع تلك الشجرة.
فبنى لها أمير المؤمنين (عليه السلام) بيتا خارج البقيع سمي ب «بيت الأحزان». فكانت الزهراء (عليها السلام) تأتي كل صباح مع الحسنين (عليهما السلام)، فتبكي فيه و يبكي معها الحسنان (عليهما السلام) حتى غروب الشمس، ثم يعودون معا إلى دارهم.
و انتهى الأمر بالزهراء (عليها السلام) أن أصبحت تعيش الغربة في مدينة الرسول (صلّى اللّه عليه و آله). ثم فقدت استطاعة الذهاب إلى بيت الأحزان؛ و من جهة لم يكن بوسعها البكاء في دارها.
فلم يبق لها سبيل سوى أن تطلب الموت من اللّه عز و جل، و لهذا كان دعاؤها الأخير الذي دعت به من أعماق قلبها هو قولها: «اللهم عجّل وفاتي سريعا». و من الواضح أن دعاء الزهراء (عليها السلام) حينما تدعو من أعماق قلبها يستجاب في أسرع وقت.
فاطمة (عليها السلام) و بلبلة السقيفة
لم يزل جثمان الرسول (صلّى اللّه عليه و آله) مسجى في حجرته و هو لم يدفن بعد و إذا بالقوم تشاجروا على الخلافة في سقيفة بني ساعدة و ارتفعت الأصوات: «منا أمير و منا أمير». ثم تفاقمت الوضعية و تأزمت الأمور حول استلام زمام الحكم، فبدأ الانحراف في مسار الإسلام بعد أن أهمل الذي عيّنه اللّه و الرسول للخلافة! فتم تعيين رجل للخلافة بخلاف ما أراد اللّه و رسوله، و كان تعيينه فلتة شهدتها الساحة الإسلامية، كما كان الذين بايعوه يعلمون عدم جدارته للخلافة، بل حتى الخليفة كان لا يجد نفسه لائقا و أهلا لهذا المقام و قد أقرّ بذلك عدة مرات و قال أمام الملأ العام: «أقيلوني أقيلوني، فلست بخيركم و علي فيكم».
و كان الناس في تلك الحالة همج رعاع يقودهم أهل الأهواء و المطامع بالترغيب و الترهيب. فاندفع بعضهم لذلك من دون وعي و منهم من اندفع لحقده لعلي (عليه السلام).