اللّه صلّى اللّه عليه و آله على ما كان عليه من الدعاء إلى اللّه عز و جل كما أمر، و أسلم ناس كثير من أفناء قريش، فشق ذلك على بني أمية للعداوة الأصلية، فمشوا إلى من كانوا اجتمعوا معه و أتوا أبا طالب فقالوا له: يا أبا طالب قد كنا أتيناك و شكونا إليك ما لقينا من ابن أخيك، و لك فينا شرف و منزلة و ما كنا لنصبر على ما نزل بنا من ابن أخيك من سبّ آلهتنا و نقص آبائنا و تسفيه أحلامنا، و قد أغوى جماعة من قريش، فأما كففته عنّا أو كفيتنا أمره و إلّا فإنا منازلوه و إياك و من اتبعه حتى يهلك أحد الفريقين.
فرد عليهم أبو طالب ردا جميلا و قال: أنا أنظر في ذلك بما يكون فيه الصلاح إن شاء اللّه.
و اتصل به أن رأيهم قد اجتمع على محاربته، و أنهم رأوا أن المبادرة إلى ذلك في ابتداء الأمر أهون عليهم من أن يدعوه حتى يتمكن و يعظم.
فعظم ذلك على أبي طالب و لقى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قال: يا ابن أخي إنه قد لعله بلغك ما كان من أمر قومك و ما اجتمعوا فيه إليّ من أمرك مرة بعد مرة، و قد دفعتهم بالتي هي أحسن، فلم أرهم يرجعون عنك و عني إلّا عن شرّ، و لا أدري كيف يكون في ذلك الأمر، فأبق عليّ و على نفسك و لا تحملّني من الأمر ما لا أطيقه.
فظن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنه قد بدا لأبي طالب في نصرته، فعظم ذلك عليه و استعبر ثم قال: «يا عم إن شئت فلا تكلف نفسك ما لا تطيقه، فأما أنا فو اللّه لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في شمالي لما تركت هذا الأمر حتى يظهره اللّه أو أهلك دونه» و قام عنه فولى.
فدعاه أبو طالب و قال: يا ابن أخي اذهب فقل ما أحببت و اصنع ما شئت فو اللّه لا أسلمتك لشيء أبدا، و قال في ذلك أبو طالب:
و اللّه لن يصلوا إليك بجمعهم * * * حتى أوسد في التراب دفينا
فاجهد لأمرك ما عليك غضاضة * * * أبشر و قرّ بذاك منك عيونا
و دعوتني و زعمت أنك ناصح * * * فلقد صدقت و أنت كنت أمينا