كانوا يعطونه، فأوجب على كل من أعطاه (...) [1] كان عنده أن ذلك الذي أعطاه إنما أعطاه من صدقة وجبت على المعطي، و من لم يعطه شيئا لم يعرض له، فكان ذلك ممّا عرف من خساسته و سوء مذهبه و نذالته.
و لم يزل كذلك يستجدي له الناس، و يطوف في أقاليم الاندلس إلى أن شبّ و كبر، و خاف من كان من العمال بالاندلس سوء عواقب الزمان و حذروا طلب بني العباس، فسلموا الأعمال، و احتال ذلك العبد الذي جاء على تسليم ذلك له، فإن كان ما يكره وقع به تسمّى بالأمير على وهن و ضعف و تغرير.
و دامت الغفلة عن أرض الاندلس و استقلها و استعبدها من ولي إفريقية من ولاة بني العباس، لأنها كانت من أعمال إفريقية، و استصغروا ما يكون منها في جانب ما يلزم في غزوها، و اشتغلوا بتوثب الجند عليهم واليا بعد والي.
و امتد الأمر لعبد الرحمن و لمن ولّي بعده من نسله لهذه العلة و السبب، و هم على ذلك من حال عبد الرحمن يتّسمون بالأمراء، و إذا عظّم الواحد منهم من أراد تعظيمه قال: يا ابن الخلائف.
و كان تأمير عبد الرحمن أولهم على ما تأمّر عليه بلا سبب يوجب ذلك له من حق و لا باطل و لا بحجة له من تغلب و لا واجب، لأن جدّه هشاما لم يكن عهد إلى أبيه و لا صار شيء من ذلك الأمر المغتصب إليه، و لا هو من أهله، و لا استعمل أحد على ما وليه، فولى ذلك أيام حياته و ولى كذلك بنوه بعد وفاته.
و كان دخوله أرض الاندلس سنة ثمان و ثلاثين و مائة، فيقال: إنه لمّا استحكم أمره قتل ذلك العبد الذي كان قد خلّصه و أصاره إلى ما صار إليه، و ذلك أنه نقم عليه صقعه لقفاه.