و لأجل هذا تدخل هذه المسألة في بحث الملازمات العقلية كما صنعنا.
و لما كان البحث يختلف اختلافا كثيرا في كل واحد من العبادة و المعاملة عقدوا البحث في موضعين: العبادة و المعاملة، فينبغي البحث عن كل منهما مستقلا في مبحثين:
المبحث الأوّل- النهي عن العبادة:
المقصود من العبادة التي هي محل النزاع في المقام: العبادة بالمعنى الأخص أي:
خصوص ما يشترط في صحتها قصد القربة، أو فقل: هي خصوص الوظيفة التي شرعها الله تعالى لأجل التقرب بها إليه.
و لا يشمل النزاع العبادة بالمعنى الأعم مثل: غسل الثّوب من النجاسة، لأنه- و إن صح أن يقع عبادة متقربا به إلى الله تعالى- لا يتوقف حصول أثر المرغوب فيه- و هو زوال النجاسة- على وقوعه قريبا، فلو فرض وقوعه منهيا عنه- كالغسل بالماء المغصوب- فإنه يقع به الامتثال و يسقط الأمر به، فلا يتصور وقوعه فاسدا من أجل تعلق النهي به.
نعم إذا وقع محرما منهيا عنه فإنه لا يقع عبادة متقربا به إلى الله تعالى: فإذا قصد من الفساد هذا المعنى فلا بأس في أن يقال: أن النهي عن العبادة بالمعنى الأعم يقتضي الفساد، فإن من يدعي الممانعة بين الصحة و النهي يمكن أن يدعي الممانعة بين وقوع غسل الثّوب صحيحا- أي: عبادة متقربا به إلى الله تعالى- و بين النهي عنه.
و ليس معنى العبادة هنا أنها ما كانت متعلقة للأمر فعلا، لأنه مع فرض تعلق النهي بها فعلا لا يعقل فرض تعلق الأمر بها أيضا، و ليس ذلك كباب اجتماع الأمر و النهي فرض فيه تعلق النهي بعنوان غير العنوان الذي تعلق به الأمر، فإنه إن جاز هناك اجتماع الأمر و النهي فلا يجوز هنا لعدم تعدد العنوان، و إنما العنوان الذي تعلق به الأمر هو نفسه صار متعلقا للنهي.
و على هذا: فلا بد أن يراد بالعبادة المنهي عنها: ما كانت طبيعتها متعلقة للأمر و إن لم تكن شاملة- بما هي مأمور بها- لما هو متعلق النهي، أو ما كانت من شأنها أن يتقرب بها لو تعلق بها أمر. و بعبارة أخرى جامعة أن يقال: إن المقصود بالعبادة هنا