لا بد في الوضع من تصور اللفظ و المعنى، لأن الوضع حكم على المعنى و على اللفظ، و لا يصح الحكم على الشيء إلا بعد تصوره و معرفته بوجه من الوجوه و لو على نحو الإجمال، لأن تصور الشيء قد يكون بنفسه، و قد يكون بوجهه، أي:
بتصور عنوان عام ينطبق عليه و يشار به إليه؛ إذ يكون ذلك العنوان العام مرآة و كاشفا عنه، كما إذا حكمت على شبح من بعيد أنه أبيض مثلا و أنت لا تعرفه بنفسه أنه أي شيء هو، و أكثر ما تعرف عنه- مثلا- أنه شيء من الأشياء أو حيوان من الحيوانات.
فقد صح حكمك عليه بأنه أبيض مع إنك لم تعرفه و لم تتصوره بنفسه و إنما تصورته بعنوان أنه شيء أو حيوان لا أكثر و أشرت به إليه. و هذا ما يسمى في عرفهم (تصور الشيء بوجهه)، و هو كاف لصحة الحكم على الشيء. و هذا بخلاف المجهول محضا فإنه لا يمكن الحكم عليه أبدا.
و على هذا، فإنه يكفينا في صحة الوضع للمعنى أن نتصوره بوجهه، كما لو كنا تصورناه بنفسه.
و لما عرفنا أن المعنى لا بد من تصوره و إن تصوره على نحوين- فإنه بهذا الاعتبار و باعتبار ثان هو أن المعنى (1) قد يكون خاصا أي: جزئيا (2) و قد يكون عاما (3) أي:
كليا، نقول: إن الوضع ينقسم إلى أربعة أقسام عقلية:
1- أن يكون المعنى المتصور جزئيا و الموضوع له نفس الجزئي، أي: أن الموضوع له معنى متصور بنفسه لا بوجهه. و يسمى هذا القسم (الوضع خاص و الموضوع له خاص) (4).
2- أن يكون المتصور كليا و الموضوع له نفس ذلك الكلي، أي: أن الموضوع له كلي متصور بنفسه لا بوجهه. و يسمى هذا القسم (الوضع عام و الموضوع له
(1) أي: المعنى الذي يريد الواضع أن يضع له اللفظ.
(2) كمعنى زيد.
(3) كمعنى الإنسان.
(4) و بتعبير آخر: أن يكون المعنى المتصور جزئيا، و الموضوع له اللفظ نفس ذلك الجزئي، من قبيل أن يتصور الواضع معنى جزئيا كزيد، و يضع لفظ زيد للمعنى المتصور، أي: يوضع لفظ زيد لمعنى زيد.