(الثّاني): أن يكون الاضطرار بسوء الاختيار، كمن دخل منزلا مغصوبا متعمدا، فبادر إلى الخروج تخلصا من استمرار الغصب، فإن هذا التصرف بالمنزل في الخروج لا شك في أنه تصرف غصبي أيضا. و هو مضطر إلى ارتكابه للتخلص من استمرار فعل الحرام، و كان اضطراره إليه بمحض اختياره إذ دخل المنزل غاصبا باختياره.
و تعرف هذه المسألة في لسان المتأخرين بمسألة (التوسط في المغصوب) و الكلام يقع فيها من ناحيتين:
1- في حرمة هذا التصرف الخروجي أو وجوبه.
2- في صحة الصلاة المأتي بها حال الخروج.
حرمة الخروج من المغصوب أو وجوبه:
أما (الناحية الأولى): فقد تعددت الأقوال فيها، فقيل: بحرمة التصرف الخروجي فقط، و قيل: بوجوبه فقط و لكن يعاقب فاعله، و قيل: بوجوبه فقط و لا يعاقب فاعله، و قيل: بحرمته و وجوبه معا، و قيل: لا هذا و لا ذاك و مع ذلك يعاقب عليه.
فينبغي أن نبحث عن وجه القول بالحرمة، و عن وجه القول بالوجوب ليتضح الحق في المسألة و هو القول الأوّل.
أما (وجه الحرمة): فمبني على أن التصرف بالغصب بأي نحو من أنحاء التصرف (دخولا و بقاء و خروجا) محرم من أوّل الأمر قبل الابتلاء بالدخول، فهو قبل أن يدخل منهي عن كل تصرف في المغصوب حتى هذا التصرف الخروجي، لأنه كان متمكنا من تركه بترك الدخول.
و من يقول بعدم حرمته فإنه يقول به، لأنه يجد أن هذا المقدار من التصرف مضطر إليه سواء خرج الغاصب أو بقي فيمتنع عليه تركه. و مع فرض امتناع تركه كيف يبقى على صفة الحرمة؟
و لكنا نقول له: إن هذا الامتناع هو الذي أوقع نفسه فيه بسوء اختياره، و كان متمكنا من تركه الدخول، و الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، فهو مخاطب من أوّل الأمر بترك التصرف حتى يخرج، فالخروج في نفسه بما هو تصرف داخل من أوّل الأمر في أفراد العنوان المنهي عنه، أي: أن العنوان المنهي عنه- و هو التصرف بمال الغير بدون رضاه- يسع في عمومه كل تصرف متمكن من تركه حتى الخروج، و امتناع ترك هذا التصرف بسوء اختياره لا يخرجه عن عموم العنوان، و نحن لا